الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

الإيضاح والبيان لمسألتين أخطأ فيهما الشيخ الفوزان

 بِسْمِ  اللهِ الَّرحْمـــن الرَّحيـــم  
الحمد لله على إحسانه وكرمه وامتنانه، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلاله، وأصلي وأسلم على خير خلقه، محمد نبيه وعلى آله وصحبه، وكل من متبع له إلى يوم الدين.
أما بعد
فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]
قال ابن كثير- رحمه الله - في تفسيره (ج3ص253): {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} أي: اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أٌنْزِلَ إليكم من ربِّ كل شيء ومليكه، {وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي: لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره. اهـ المراد.
وعلى هذا سار السلف الصالح- رضوان الله عليهم-، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: "هذا الذي أهلككم،- والله- ما أُرى إلا سَيُعذبكم، إني أحدثكم عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وتجيؤوني بأبي بكر وعمر".( 1)
وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: "عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك". اهـ
وهذه بعض أقوال أئمة المذاهب الأربعة، في اتباع السُّنة وترك الأقوال المخالفة لها، ذكرها الشيخ الألباني- رحمه الله- في صفة صلاة النبي (ص41-42) وأنا اقتصر على نقل مثال أو اثنين منها 
قال أبو حنيفة- رحمه الله-: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وقال: "لا يحلُّ لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه"، وفي رواية "حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي".
وقال مالك بن أنس- رحمه الله-: "ليس أحد بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا ويُؤخذ من قوله ويترك إلا النبي- صلى الله عليه وسلم-".
وقال الشافعي- رحمه الله-: "أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يحل له أن يدعها لقول أحد"، وقال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".
وقال أحمد بن حنبل- رحمه الله-: "لا تقلدني، ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا"، وقال: "ومن رد حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فهو على شفى هلكة". اهـ
من هذا الباب، أود التنبيه على خطأين صدرا من الشيخ الفوزان- حفظه الله ووفقه- وهي حمل المجمل على المفصل في كلام العلماء، وحصر الجرح والتعديل على الرواة؛ كي لا يكون فيها متعلقا لأهل الصيد في الماء العكر، وأقصد بهم أهل الأهواء قاطبة، وخاصة أصحاب أبي الحسن المأربي، وأصحاب علي حسن الحلبي، وإلى التنبيه على الخطإ الأول.
1) حمل المجمل على المفصل في كلام العلماء
قال الشيخ الفوزان- حفظه الله تعالى-:كما في شريط التوحيدَ يا عباد الله حينما سئل هل يحمل المجمل على المفصل في كلام الناس؟ 
الأصل أن حمل المجمل على المفصل، الأصل أنه في نصوص الشرع أي الكتاب والسُّنة، لكن مع هذا أيضا يحمل كلام العلماء مجمله على مفصله، ولا يقوَّل العلماء كلاما مجملا حتى يُرجع إلى التفصيل من كلامهم، إذا كان لهم قول مجمل وقول مفصل نرجع إلى القول المفصل ولا نأخذ المجمل. اهـ
وببيان أمرين يتضح خطأ هذا القول.
أ) بيان حمل المجمل على المفصل في كلام العلماء وذكر ما ليس منه
حمل المجمل على المفصل، هو جعل عادة الرجل وسيرته هي المفصل، وأخطاؤه الواضحة هي المجمل، قال الشيخ المجاهد سعيد بن دعاس اليافعي- رحمه الله- في تنزيه السلفية (ص37): وأما ما قرره الشيخُ الإمام- أصلحه الله- في قاعدتيه (كثرة محاسن العالم مانعة من القدح فيه)، (والعبرة بطريقة أهل الاستقامة وسيرتهم لا بهفواتهم وزلاتهم)، من غير تحقيقٍ وتحريرٍ، بإطلاق الحكم في اعتبار الطريقة، وإلغاء اعتبار الخطإ بدعوى )إقامة العدل!!)، فعلى غرارِ قاعدة أبي الحسن، وعرعور في (حمل المجمل على المفصل)، بدعوى الإنصاف!! الذي حقيقته: جعل عادة الرجل، وسيرته هي المفصل، وأخطاؤه وضلالاته، وباطله الواضح في معانيه إما بالنصوص، أو بالظواهر هي المجمل. 
ومقصوده: أن يُحكمَ على الإنسان بمقتضى سيرته وعادته، ولا يُلتفت إلى خطإه ومخالفته الواضحة، ويقضى على خطإه ومخالفته- مهما كانت- بعادته وسيرته.
وهذا ما أصَّلهُ الشيخ الإمام- عفا الله عنه- في قاعدتيه، وهو إن لم يصرِّحْ بلفظ قاعدة (المجمل والمفصل) لكن هذا هو حقيقة ما قعَّده، والعبرة بالحقائق، لا بالأسماء. اهـ
وهو ما اعتمده الشيخ الفوزان- وفقه الله-، ويتضح ذلك جليا في التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية (ص44 نسخة مصورة) تعليقا على قول الطحاوي- رحمه الله-: "وتعالى الله عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات".
"والحاصل: أن هذه الألفاظ التي ساقها المصنف فيها إجمال ولكن يحمل كلامه على الحق؛ لأنه- رحمه الله تعالى- من أهل السُّنة والجماعة، ولأنه من أئمة المحدثين فلا يمكن أن يقصد المعاني السيئة، ولكنه يقصد المعاني الصحيحة، وليته فصل ذلك وبينه ولم يجمل هذا الإجمال". اهـ
فاعتبر الطريقة في مقابلة الخطإ؛ لأن الطحاوي- رحمه الله- من أهل السُّنة ومن أئمة المحدثين، وقد وظف أحدهم كلام الشيخ الفوزان السابق، في شريط: التوحيدَ يا عباد الله، للرد على من يقول بحمل المجمل على المفصل في كلام العلماء، فأخطأ لأن كلامه صريح في ذلك.
وليس منه حسن الظن بالعلماء العاملين، المعروفين بالسير على منهج السلف والذب عنه، قال الشيخ سعيد- رحمه الله- في تنزيه السلفية (ص42-43): وليس فيما سلكهُ شيخُ الإسلام، وابن القيم، والذهبي(2)، تجاه من ذكروا وضعُ قاعدةٍ مطَّردةٍ، أنه يُلتَفَتُ عن الخطإ الواضحِ البيِّنِ بالقولِ أو الفعل، بسيرةِ الرَّجُلِ، وطريقِتِهِ، وعادَتِه، كما قال الشيخُ الإمام- عفا الله عنه-، وقبلَهُ أبو الحسن، وإنما المراد حسنُ الظنِّ ببعض الكبار، ممن شهروا بالسير على منهج السلف، ودعوا إلى ذلك، وناظروا عليه، لقرائن عظيمةٍ، وكثيرةٍ، وقويةٍ، كجهادٍ عظيمٍ في نصرةِ السُّنة، والذبِّ عن منهجِ الحقِّ وتقريره، إذا صدر من أحدهم ما يحتمِلُ الباطل ويوهمُهُ، فيُتأوّل على غير المعنى السَّيء- إحسانًا للظنِّ بهم- لا على الإطلاق في كلِّ قولٍ، أو فعلٍ- كالصَّريحِ، أو الظاهر- ولا في كلِّ قائلٍِ، وإنما في أفرادٍ، ممن قويت القرائنُ المسوِّغةُ لإحسان الظنِّ بهم، وفيما قويَ فيه احتمال إرادة المعنى الحقِّ (من باب إحسان الظنِّ؟!)، لا حتمًا، كما هو مُقتضى ما أصَّلهُ الشيخُ الإمام- أصلحه الله- في (قاعدتيه ؟!) على منوالِ قاعدة أبي الحسن في (المجملِ والمفصلِ؟!)- بلا فرق-.
ولذا تكلَمَ أعدادٌ من أهل الحديث والسُّنة في أناسٍ من المنتسبين إلى السُّنة حين صدرَ منهم الخطأ، ولم يعذروهم، ولم يتأولوا لهم، بإحالة الأمر على- عادتهم... وسيرتهم... وكثرة محاسنهم !... 
كما لم يعذر الإمام أحمد وغيرُهُ من أهل الحديثِ مئاتَ العلماء في زمنه، مِمَّن وقف في القرآن من المنتسبين إلى السُّنةِ، وأهل الحديث فبدَّعوهم، وضلَّلوهم، وفيهم أناسٌ من كبار المنتسبين إلى السُّنة، وأهل الحديث، مثلُ يعقوبُ بن شيبةَ.
كما شَنَّ جلُّ أهل الحديث الغارةََ على إسماعيل ابن عليَّةَ- وهو من كبار أهل السنُّةِ والحديث- لما قال كلمةً فهم منها أنه يقول بخلق القرآن حتى ضلَّلهُ بعض الأئمةِ، حتى رجع عن قولهِ، ولو لم يرجعْ لأسقطوه. 
وشنَّعَ أهل العلم على ابن حبان حين قال: (النبوةُ العلمُ والعمل)، ورموهُ بالزندقةِ، لاحتمالها تقرير اكتساب النبوةِ، على مذهب الفلاسفة، وإن كانت تحتملُ ذكر مهماتِ النبوة، كما حملها الذهبي- إحسانًا للظنِّ به-.
وتكلَّم الإمام أحمدُ وغيرُهُ من أهل العلم- بشدَّةٍ- في داود بن علي الظاهري، والكرابيسي، والمحاسبي، في قضايا القرآن، وفي أبي إسماعيلِ الهروي، لكلامه الموهم لوحدة الوجود، وصوَّبوا إليهم سهام النقدِ اللاذعِ، ولم يفزعوا إلى ما لهم من كثرة المحاسِنِ، وتعداد المآثر، والاستدلال بالسيرة، والطريقة، والعادة العطرة، وقد كانوا في أعالي المنازل العلميَّة والدينيَّة، لأن ابن آدم خطَّاء والحي لا تؤمن فتنته.
ومن دافع من أهل العلم عن واحدٍ منهم وتأوَّل كلامه على معنى صحيحٍ، فجرَى على حسنِ الظنِّ، من غير نكيرٍ ولا لومٍ على من صوَّبَ إليهم النقدَ اللاذعَ، ولا وضَع قاعدةً مطردةً، كما ظنَّ الشيخ الإمام- أصلحه الله-، ولبَّسَ أبو الحسن- أخزاه الله-، حيث أن لهؤلاء الأئمة الذين أحسنوا الظنَّ ببعض من عرف بالسُّنة، وانتهاج المنهج السلفي، والذبِّ عنه، والدعوة إليه نقدٌ لاذعٌ، تجاهَ أناسٍ مشهورون بالعلم، والفقه والدين، بسبب ما لهم من الأخطاء والمخالفات الشرعية، ولم يفزعوا إلى اعتبار هذا المَفزَعِ الخلفيِّ، وقضوا به على المخالفة والخطإ ومن ادَّعاها قاعدةً مطَّردةً فليُبرز دليلها، من كتابٍ، أو سنةٍ، أو منهج السلف، بل هي مخالفة لذلك كلِّه كما رأيت والله أعلم. اهـ
وليس منه كذلك، تتبع أقوالِ العالم ليعرفَ ما استقر عليه رأيه في مسألة ما، وذلك أن الخلاف منه ما هو سائغ، فإذا اجتهد العالم في مسألة ما، وأخطأ ثم رجع إلى القول الراجح، عرفنا ذلك بتتبع أقواله، ومن فائدته الاحتجاج على مقلديه بالصحيح من أقواله، وإذا أخطأ فيما لا يسوغ الخلاف فيه، وجب عليه الرجوع إذا نبه على ذلك أو انتبه، وعليه أن يتوب ويبين ذلك صريحا، عملا بقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 160].
وتتم معاملته بالضوابط السابقة التي نقلها الشيخ سعيد- رحمه الله-، عن أهل العلم. 
ب) بيان حكم حمل المجمل على المفصل في كلام العلماء
حمل المجمل على المفصل في كلام العلماء، هو منهج مخالف لأصل من أصول الإسلام ألا وهو وجوب الأخذ بالظاهر(3).
قال الشيخ سعيد- رحمه الله- في تنزيه السلفية (ص40): وهذا منهج مخالفٌ لقاعدة الشرع، والأصل الأصيل في الإسلام، وجوبُ الأخذ بالظاهر وامتناع تأويلِ كلام غير المعصوم، لأنه أعني: غير المعصوم مظنَّةُ الانحراف والضلال، ولا تؤمنُ فتنته وتغيُّرهُ، وافتئاتٌ على هذا الحكم الشرعي الواقعي.
قال الشيخُ علاءُ الدين، علي بن إسماعيل القونوي كما ذكره العلامة البقاعي في مصرع التصوف (2/66): إنما نؤوِّلُ كلام من ثبتت عصمتُهُ، حتى نجمع بين كلاميه، لعدم جواز الخطإ عليه، وأما من لم تثبتْ عصمتُه، فجائزٌ عليه الخطأ، والمعصية، والكفر، فنؤاخذه بظاهر كلامه، ولا يُقبل منه ما أوَّلَ كلامه عليه، مما لا يحتمله، أو ما يخالف الظاهر وهذا هو الحقُّ. اهـ
قال العراقي، كما في مصرع التصوف (134): وهذا مما لا نعلمُ فيه خلافًا بين العلماء بعلوم الشريعة المطهرة. اهـ
قال العلامة الشوكاني في الصوارم الحداد، كما في الفتح الرباني(2/1000):وقد أجمع المسلمون أنه لا يؤوَّلُ إلا كلامُ المعصوم.اهـ
وحقق- رحمه الله- أن الفعل في معنى القول فقال (ص40-41): والفعل في معنى القول في امتناع تأويل حكم ظاهره في حقِّ غير المعصوم، بحمله على العادة، والسيرة، والطريقة، بل هو آكد؛ لأن الفعل يشبه التنصيص، وقد يكونُ الفعل أبلغ من القول، كما قاله المحقق أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات(3/313)، و(4/59) وقال في الاعتصام(1/371):فإنَّ العملَ يُشبِهُهُ التنصيصُ بالقول؟!، بل قد يكونُ أبلغَ منه !!. اهـ
ولذا قال (3/71): الاقتداءُ بالأفعالِ أبلغُ من الاقتداءِ بالأقوالِ- فإذا وقعَ ذلكَ ممَّن يُقتدى بهِ كان ذلك أشد ؟!!-. اهـ
ولذا رجَّح بعضُ أهلِ العلم الفعل على القول إذا تعارضا، لأنه أدلُّ وأقوى في البيان، كما ذكره الإمام السمعاني في القواطع (2/195). 
وتأويلُ خطإ من أخطأ في القول أو الفعل، بحمله على العادة والسيرة كما قال أبو الحسن، وسماهُ (المُجملُ والمُفصَّلُ)، وعليه ينطبقُ انطباق الكفِّ على الكفِّ، ما ذكرهُ الشيخ الإمام- أصلحه الله- في قاعدتيه(كَثرَة المَحاسِنِ...)،و(العِبرَةُ بِسيرَةِ الرَّجُلِ)،(وهُمَا هُوَ).اهـ
2) حصر الجرح والتعديل على الرواة
قال الشيخ الفوزان- وفقه الله- بعد أن سئل أحسنَ الله إليكم: بعض الإخوة يصفون عالما من العلماء بأنه حاملُ رايةِ الجرحِ والتعديل، فمن جرحه فهو مجروح بحجة أنه لا يجرح إلا بدليل، فيلزم اتباعه في ذلك.(4)
الجرح والتعديل في الإسناد وفي علم الحديث وهذا أهله ماتوا، ما بقي منهم أحد ما فيه أحد فيما نعلم من علماء الجرح والتعديل، لكن قد يكون من علماء الغيبة والنميمة، هذا موجود ممن يجرح الناسَ ويغتاب الناس هذا ما هو بالجرح والتعديل ! الجرح والتعديل من علم الإسناد، وهذا له رجاله وانتهوا، ماتوا الله أعلم ما أعلم أحدا، قد يكونا فيمن يقرأ كتب الجرح والتعديل ويستفيد منها، نعم.
أما أن يقال هذا من علماء الجرح والتعديل، هذه كلمة كبيرة ما تنطبق على من يقتصر على المطالعة وعلى قراءة الكتب هذا ما يكون من علماء الجرح والتعديل، لكن يقال مطلعٌ، فلانٌ مطلع على كتب الجرح والتعديل فقط نعم.(5) اهـ
وهذا الحصرُ مردود عند العلماء المتقدمين والمتأخرين، قال الشيخ سعيد- رحمه الله- في تنزيه السلفية (ص216): ... ولذا قال النووي في شرحِ حديثِ ابن عمر- رضي الله عنهما-(6) الذي رواهُ البخاري (2442)، ومسلم (6521)(7)، مرفوعًا (مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، وقد بيَّنَ المقصودَ بالسِّترِ المندوبِ إليه، قال: وأمَّا- جرحُ الرواةِ!!، والشهودِ!، والأُمناءِ، على الصَّدقاتِ!، والأوقافِ!، والأيتام!، فيجبُ جرحُهم؟!!- عند الحاجةِ، ولا يَحِلُّ السِّترُ عليهم!، إذا رأى مِنهُم مَا يَقدحُ في أهليِّتِهم؟!!، وليس هذا من الغيبة المُحَرَّمةِ، بل من النَّصيحةِ الواجِبَةِ وهذا مُجمعٌ عليهِ. اهـ
وقال النووي- رحمه الله- في كتابه رياض الصالحين (ص375-376): اعلم أن الغيبة تباحُ لغرضٍ صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليها إلا بها، وهو ستة أسباب وذكر منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وقال: أن ذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها، المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاورِ أن لا يُخْفِي حالَهُ، بل يذكر المساوئَ التي فيه بنية النصيحة.
ومنها، إذا رأى متفقها يتردَّدُ إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلَطُ فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيِّلُ إليه أنه نصيحة فليُتفطن لذلك. اهـ المراد
وقال- رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (ج10ص109): وفيه- يقصد حديث فاطمة بنت قيس حين خطبها أبو الجهم ومعاوية- رضي الله عنهما- فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ)-.(8)
دليلٌ على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحةِ، ولا يكون هذا من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة، وقد قال العلماءُ: إن الغيبة تباح في ستَّة مواضع، أحدها الاستنصاح(9)، وذكرتُها بدلائلها في كتاب الأذكار ثم في رياض الصالحين. اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في رسالةِ الغيبة كما في مجموعةِ الرسائل (2/278) كما في تنزيه السلفية (ص228): فبيَّنَ لها أن هذا فقيرٌ، قد يعجزُ عن حقِّكِ، وهذا يؤذيكِ بالضَّربِ، وكان هذا نُصحًا لها، وإن تضمَّن ذكرَ عيبِ الخاطبِ. اهـ
وقال ابن رجب- رحمه الله- في الفرق بين النصيحة والتعيير (ص03): اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره محرم إذا كان المقصود منه مجرد الذم، والعيب، والنقص، فأما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين، أو خاصة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرم، بل مندوب إليه، وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل، وذكروا الفرق بين جرح الرواة، وبين الغيبة، وردوا على من سوى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه، ولا فرق بين الطعن في رواة ألفاظ الحديث ولا التمييز بين من تقبل روايتهم منهم ومن لا تقبل، وبين تبيين خطإ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة، وتأول شيئا منها على غير تأويله، وتمسك بما لا يتمسك به، ليحذر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضا، ولهذا نجد في كتبهم المصنفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير، وشروح الحديث، والفقه، واختلاف العلماء، وغير ذلك ممتلئة بالمناظرات، وردوا أقوال من تُضَعَّفُ أقواله من أئمة السلف والخلف، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يترك ذلك أحد من أهل العلم، وادعى فيه طعنا على من رد عليه قوله، ولا ذما ولا نقصا، اللهم إلا أن يكون المصنف ممن يفحش في الكلام، ويسيء الأدب في العبارة، فينكر عليه فحاشته وإساءته دون أصل رده ومخالفته، إقامة بالحجج الشرعية والأدلة المعتبرة. اهـ
وقال شيخُ الإسلام في رسالةِ الغيبة كما في مجموعةِ الرسائل (2/278): ولهذا وجبَ بيانُ من يغلطُ في الحديث والروايةِ، ومن يغلطُ في الفتيا، ومن يغلطُ في الزُّهد والعبادة. اهـ
وقال شيخُ الإسلام كما في الفتاوى (19/123): يجبُ أن نبيَّنَ الحق الذي يجبُ اتباعُهُ، وإن كانَ فيهِ بيانُ خطإِ من أخطأَ من العلماء والأمراءِ. اهـ(10)  
وقال الإمام السخاوي كما في إظهار العداء لأخينا أبي موسى العربي البسكري (ص46 نسخة مصورة): الملحوظ في تسويغ ذلك كونه نصيحة، ولا انحصار لها في الرواية، فقد ذكروا من الأماكن التي يجوز فيها ذكر المرء بما يكره ولا يُعد ذلك غيبة بل هو نصيحة واجبة، أن تكون للمذكور ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مغفلاً، أو نحو ذلك، فيذكر ليزال بغيره ممن يصلح، أو يكون مبتدعاً أو فاسقاً ويرى من يتردد إليه للعلم ويخاف عليه عود الضرر من قبله، فيعلمه ببيان حاله، ويلتحق بذلك المتساهل بالفتوى، أو التصنيف، أو الأحكام، أو الشهادات، أو النقل، أو المتساهل في ذكر العلماء، أو في الرشا والارتشاء، إما بتعاطيه له، أو بإقراره عليه مع قدرته على منعه، وأكل أموال الناس بالحيل والافتراء، أو الغاصب لكتب العلم من أربابها، أو غير ذلك من المحرمات، فكل ذلك جائز أو واجب ذكره ليحذر ضرره، وكذا يجب ذكر المتجاهل بشىءٍ مما ذكر ونحوه من باب أولى. اهـ
وبهذا يتضح أن علم الجرح والتعديل ليس خاصا بالرواة، وهو يشمل الأصناف التي ذكرها العلماء آنفا، تحقيقا لمقصد الشرع المتمثل في النصيحة، عملا بقوله- صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) وقد بينها- صلى الله عليه وسلم- حينما سئل لمن يا رسول الله فقال: (للهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ).(11)
والشيخ الفوزان- حفظه الله تعالى- من العلماء العاملين المعروفين بالرجوع إلى الحق، نحسبه كذلك- والله حسيبه- ولا نزكي على الله أحدا وقد وقفت على تراجعه عن أمرين: وهما قوله أن جماعة الإخوان المسلمين من أهل السنة، وكذا القول بعدم تصنيف الناس، وأرجو من الله تعالى أن يوفقه للرجوع إلى الحق في هاتين المسألتين، ولا حجة لأهل الأهواء في كلامه؛ لأنه كل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي- صلى الله عليه وسلم-.
هذا ما تيسر لي جمعه أسأل الله- عز وجل- أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ولا يجعل منه لغيره شيئا، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
تم الفراغ منه مساء يوم الثلاثاء 17 ذي القعدة 1436 هجري.
كتبه: أبو عبد الله إبراهيم بن خالد التبسي الجزائري ــ غَفَرَ اللهُ لَهُ و لوالديه ـــ.
____________________
1  - رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (ج1-380 نسخة مصورة عن طبعة دار ابن الجوزي) واللفظ له قال المحقق إسناده صحيح وهو كما قال، وأخرجه عبد الرزاق كما في جامع بيان العلم وفضله (ج2-2377) بإسناد صحيح.
2  - يقصد دفاع شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم على أبي إسماعيل الهروي والكلام مذكور (ص41-42) ودفاع الذهبي على ابن حبان (ص42).
3  - ومن أدلة وجوب الحكم بالظاهر، قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، وبوب الإمام النووي- رحمه الله- على هذه الآية، بباب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى في كتابه رياض الصالحين.
وقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
وقوله- صلى الله عليه وسلم-: (مِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ. وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللّهِ)، أخرجه البخاري- فتح- (ج1-25) ومسلم- نووي- (ج1-22) واللفظ له من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-.
وما جاء عن عبدالله بن عتبة عند البخاري- فتح-(ج5-2641)قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول:"إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُ سَرِيرَتَهُ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ".
 4- هذا تعريض بالشيخ ربيع- وفقه الله- والتعميم المذكور منتقضٌ بما بدر من الشيخ ربيع، في حق إخوانه من طلاب العلم باليمن، فقد جرحهم بغير دليل، وسكت عن مخالفيهم مع أنهم أهل بدع وضلالات، لكن القوم يحملهم على ذلك، الانتصار لبعض رموزهم الذين تكلم فيهم الشيخ ربيع بحق، والذي عليه الشيخ يحي- حفظه الله- وإخوانه من المشايخ وطلبة العلم، عدم قبول ما أخطأ فيه الشيخ مع حفظ كرامته. 
5-  من مادة صوتية على اليوتيوب.
6-  في الأصل "عنه" والأولى الترضي عنهما.
7- صوابه (6578).
8- أخرجه مسلم- نووي- (ج10-1480)، وقد وهم النووي- رحمه الله- في عزوه للبخاري أيضا في رياض الصالحين، ونبه المحقق على ذلك.
9-  ومن الاستنصاح ذكر مخازي الدعاة المتعنتين من أهل البدع، حتى يحذرها الناس، ولا يكفي فيمن ظهر شره وانتشر، النصيحة السرية، بل يرد عليه علنا وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، وعليه جمع من أهل العلم المحققون.
10- تنزيه السلفية (ص227).
11- أخرجه مسلم- نووي- (ج2-55) من حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري- رضي الله عنه-.
والمقال بصيغة pdf من هنا

السبت، 29 أغسطس 2015

بيان خطإ النووي ـ رحمه الله وعفا عنه ـ في تحريفه لصفة المحبة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين 
أما بعد 
فهذا جهد متواضع في نصرة عقيدة أهل السنة والجماعة، كنت قد نشرته سابقا في بعض الشبكات السلفية، ورأيت إعادة نشره بعد تصحيحه وتنسيقه، راجيا من المولى - عز وجل- أن ينفع به.
للتصفح أو التحميل  من هنا

الاثنين، 17 أغسطس 2015

التنبيهات الجلية على تناقض الخوارج القعدية العصرية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله على ما أعطى سبحانه له الحمد والمنة والصلاة والسلام على خير خلقه نبينا محمدوعلى
آله وصحبه ومن اتبع هداهم إلى يوم الدين
أما بعد
فهذه رسالتي التنبيهات الجلية على تناقض الخوارج القعدية العصرية كنت قد نشرتها سابقا على بعض الشبكات السلفية
ونظرا لتلف الرابط رأيت إعادةنشرها بعد تصحيحها وفهرستها
للتصفح أو التحميل من هنا

السبت، 15 أغسطس 2015

أسباب العزة وأسباب الذلة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماكثيرا
أما بعد
فهذه خطبةجمعة ليوم 26شوال 1436هجري للشيخ أبي حمزةحسن بن محمد باشعيب
للتحميل من هنا

الجمعة، 7 أغسطس 2015

ولتنظر نفس ما قدمت لغد


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد 
فهذه خطبة جمعة للشيخ الفاضل الواعظ أحمد بن عثمان العدني ـ حفظه الله ـ  لهذا اليوم 22شوال 1436هجري للتحميل هذاالرابط من هنا

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

أسئلة الإخوة المغتربين في أمريكا


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على خير العالمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد
فهذه أسئلة الإخوة المغتربين في أمريكا، أجاب عليها فضيلة الشيخ العلامة يحي بن علي الحجوري- حفظه الله تعالى- وذلك بتاريخ 15 شوال 1436 هجري للتحميل من هنا
منقولة.

السبت، 1 أغسطس 2015

دوام الاستقامة أعظم كرامة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فهذه خطبة الجمعة الموافقة لـ 15 شوال 1436 هجري بعنوان دوام الاستقامة أعظم كرامة للشيخ الفاضل عبد الباسط الريدي للتحميل من هنا
منقولة.

الجمعة، 31 يوليو 2015

فتوى الشيخ يحي بعدم الدخول للفايسبوك


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاةوالسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه 
أما بعد 
فهذه فتوى الناصح الأمين بالابتعاد عن مواقع الريب والشين جعلني الله وإياكم من المتبعين المقتدين بسنة خير المرسلين
  للتحميل والاستماعمن هنا

الخميس، 30 يوليو 2015

أبو بلال مرتضى العدني الذي عرفته... ...لشيخنا أبي عبد السلام حسن بن قاسم الريمي حفظه الله منقول.

أبو بلال مرتضى العدني الذي عرفته... ...لشيخنا أبي عبد السلام حسن بن قاسم الريمي حفظه الله منقول.
  الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على محمد خير البريات وعلى آله وصحبه أما
بعد :
فيقول الله تعالى :
"كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"... الآية 
فقد بلغنا خبر مقتل أخينا البطل الشيخ أبي بلال مرتضى بن محمد بن سالم التوي العدني رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في الشهداء على أيدي أنجس خلق الله من الروافض الحوثة عليهم من الله ما يستحقون وعاجلهم بالعقوبة في الدارين وأقر أعين المسلمين بالانتقام منهم.
فهالني هذا الخبر وتذكرت هدي نبينا في أمثال هذه المصائب، فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرًا منها.
ونحسب أخانا مرتضى مات ميتة سوية وحسن ختامه، فمات فيما نحسبه في ساحات القتال ضد أعداء الله مقبلًا غير مدبر.
وكان آخر كلمة نطق بها كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، كما أخبرني بذلك زوج ابنته عامر بن عبد الله الحكمي وفقه الله ، والحديث عن أخينا المجاهد البطل الشهيد فيما نحسبه والله حسيبه يكلُّ القلم عنه فما أدري من أين أبدأ.
فإن نظرتَ إلى عقيدته رأتيها سلفية وإن نظرت إلى طريقته رأيتها سنية، فثباته في الفتن أكبر دليل على ذلك، فما من فتنة تبزغ إلا ورأيته من أوائل المنبَرين للتصدي لها والتحذير منها ومن أهلها، أما أخلاقه فأخلاقه طيبة متواضعة لينة وإنّ بدا شيء فيه شدة فلمصلحة رآها يقتضيه المقام اجتهد فيها، أما كرمه فيعلمه من خالطه جيدًا، فبيته مفتوح لإخوانه الدعاة السلفيين من شتى أنحاء اليمن، وتعاونه مع إخوانه معلوم وملموس، أما اهتمامه بالتعليم والدعوة فلا يخفى ذلك على من خبر الرجل، فكم له من بصمات دعوية وتوجيهات سلفية خصوصًا في جنوب اليمن، وهذا مسجده العامر بالعلم والسنة في صبر لحج شاهد على ذلك فيرتاده المشايخ الفضلاء والدعة النجباء من أهل السنة والجماعة، أما شجاعته فبينة ً واضحةً فعند أن أُعلن بالجهاد ضد الرافضة فكان من أول المنبَرين له حيث سخّر ماله وبيته وسياراته لخدمة المجاهدين، وهذا معلوم .
المهم كم أتكلم وأتكلم فقد يعجز اللسان عن البيان لما حباه المولى تعالى من النعم الجزيلة والمواهب العظيمة.
وهذه عجالة يسيرة جدًا في ذكر مآثره ومناقبه وإلا لو استطردت في ذلك لخرجت رسالة بل كتاب في ذلك فرحمك الله ياشيخ أنار الله به من شاء من عباده ورحمك ربي، فو الله إني لأكتب هذه السطور والقلب يعتصر حزنًا لفراق صديق قل أن يوجد من أمثاله في هذه العصور، فكم له من النصائح الأخوية التي استفدت منها والمشاورات القيمة التي تنبئ عن عقلية رزينة وفهم ثاقب، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
ومع ذلك نقول : أبو بلال في حقيقة الأمر عايش بيننا بمؤلفاته وتحقيقاته ودعوته ومكتبته وزوجته السلفية التي تعَلَّمتْ على يديه حتى أصبحت من المؤلِّفات والمحققات والمدرسات التي نفع الله بها.
فالله أسأل أن يجمعنا وإياه في جنات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأسأل الله أنّ يخلفه في أهله وولده بخير
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


قاله بلسانه و قيده ببنانه الفقير إلى عفو ربه : 
أبو عبد السلام حسن بن قاسم الحسني الريمي 
القاهرة_ حمامات القبة_ ابن سندر 
13 شوال 1436 هجرية 

الأربعاء، 29 يوليو 2015

العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ مجدد هذا العصرومحنة يعرف به السني من الحدادي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماكثيرا
أما بعد
فهذا دفاع متواضع عن علم من أعلام السنة الذي خدمها حقبة من الزمن ألاوهو الشيخ الألباني رحمه الله بعد أن تناولته ألسن وأقلام الحاقدين عسى أن يكون لي ذخرا في حياتي وبعد مماتي للتصفح أوالتحميل من هنا

الخميس، 16 يوليو 2015

ما حكم الدعاء في صلاة التراويح وما صحة حديث رفع اليدين الشيخ مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله-

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد 
فهذه فتوى الشيخ مقبل - رحمه الله- في حكم الدعاء في صلاة التراويح.

السبت، 11 يوليو 2015

ردأخينا أبي عبد الرحمن يونس خاواعلى الغالي يوسف بن العيد الجزائري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه 
أما بعد
فهذا رد من الأخ يونس خاوا على الغالي المبطل يوسف بن العيد الجزائري، وهو منقول من شبكة العلوم السلفية، وقد سطر هذا الكلام حينما دافع يوسف على أحد الغلاة، ألا وهو حسام البوعزي، وبدءا إليك كلام المبطل الغالي يوسف
الحقيقة يا أخانا خاوا أنك أنت في الحقيقة -وللأسف- صاحب النسخ واللصق لشبهات المرجئة.ولقد نصحتك بترك هذا الإرجاء الذي بليت به فأبيت إلا العناد والتشبث بتلك النقولات المحرفة، المبتورة، والنقل عن مثل ابن حزم الجهمي، التي ينقلها الحلبي والمدخلي داعيتا الإرجاء، وتركت محكمات الأدلة وإجماع السلف وكلامهم الجلي في دمغ الإرجاء وأهله.ثم ذهبتَ تنقل لبعض الإخوة المغاربة ما حصل من نصحي لك في القسم الخاص وتستدل بما نقلتَ من سراب تحسبه ماء وتوهمهم بأنك أعجزتني.
وقد اشتكى إلي بعض إخواننا المغاربة بأنك أصبحتَ تنشر الإرجاء بين الإخوة في المغرب، كما أننا نراك بين الحين والآخر تحاول بثه في هذه الشبكة التي لا مكان فيها للمرجئة المخالفين لأدلة الكتاب والسنة وإجماع السلف وعقيدتهم التي يقررها شيخنا ومشايخ الدار وإخواانا في الشبكة، وقد ظهر لي أنك متعصب مقلد للمدخلي في إرجائه، ولو كنت تريد الحق فقد نصحتك بما هو كاف في بيانه.
وأما الأخ حسام فقد أساء الأدب والمعاملة، ولإخواننا المشرفين الحق في تأديبه، لكن ما ينقله هو الحق في هذه المسائل، وأنا أعرفه شخصيا وهو يزورني بين الحين والآخر في محل إقامتي بتونس، وكان مما نقل لي أن خاوا يطعن في العلامة الفوزان.
ودعوى كون هذه المسائل خلافية؛ فحق، لكنها ليست من مسائل الاجتهاد، وما عليه المدخلي وأذنابه إنما هو كما قال العلامة الفوزان -وفاقا للأدلة ومنهج السلف.
وإليك كلام أخينا يونس
السلام عليكم ... حياك الله يا شيخ يوسف ونفع بك ووفقنا وإياك للخير ...
وأسأل الله العظيم , رب العرش العظيم , أن يشفيك شفاء لا يغادر سقما ....
أعتذر في البداية عن التأخر في الإجابة فأنا لا أملك النت في بيتي , وأحتاج للخروج من البيت كي أسرق دقائق لعلي أطلع فيها على ما يجري ....وأعتذر مسبقا إن وجدت مني سوء تصرف وفظاظة طبع فإننا منكم نستفيد دماثة الخلق ونأخذ سمت أهل العلم والصلاح وكان مما تعلمناه من خلال هذا المنهج السلفي الذي يظهر أنك تريد إخراجنا منه :
الإنقياد للدليل وعدم الرضا بالتقليد
فهل تريد مني أن آخذ قولك وإن اعتقدت بطلانه ؟! 
وإني أظن أن ما كتبت فيه كفاية لي ولغيري والله المستعان 
أما قولك :
ولقد نصحتك بترك هذا الإرجاء الذي بليت به فأبيت إلا العناد والتشبث بتلك النقولات المحرفة، المبتورة، والنقل عن مثل ابن حزم الجهمي، التي ينقلها الحلبي والمدخلي داعيتا الإرجاء، وتركت محكمات الأدلة وإجماع السلف وكلامهم الجلي في دمغ الإرجاء وأهله
فأقول تعقيبا عليه : 
نصيحتك تقتضي ترك ما أعتقده حقا وأخذ قولك الذي خانته الأدلة فلم تف بالمقصود واستدللت عليه بكلام الأئمة في غير محله لإرغامي على تكفير قائل لا إله إلا الله مع اعتقاده الصدق وحصول أصل أعمال القلب لديه مع ارتكابه للكبائر الواحدة تلو الأخرى بتركه للفرائض – بناء على عدم كفر تارك الصلاة – .... أما تبديعك للإمام ابن حزم الذي خالف في مسائل في الصفات شأنه شأن الأئمة كالشاطبي ... ابن حجر والنووي فلعلك تنقل لنا من أقام عليه الحجة في ذلك..... ولعلي ذكرت لك قبل استدلالي بكلامه أن شيخ الإسلام ابن تيمية قرر موافقة الإمام ابن حزم لأهل السنة في مسائل القدر والإرجاء 
أما قولك : 
ثم ذهبتَ تنقل لبعض الإخوة المغاربة ما حصل من نصحي لك في القسم الخاص وتستدل بما نقلتَ من سراب تحسبه ماء وتوهمهم بأنك أعجزتني.
فأقول : 
أولا : يعلم الله أنني نصحت كم من واحد بترك هذه المسائل .... وعدم الخوض فيها كما كانت نصيحتي في أول الموضوع لك وللمشرفين وكنت قد راسلت بعضهم على الخاص 
ثانيا : أنك عندما قلتَ لذلك (البعض ! ) -الذي يشتكي إليك - أن الشيخ ربيع غارق في الإرجاء إلى شحمة أذنيه وأمرته أن ينشرها بين الإخوة ... طار بها بينهم فاقتضى الأمر نقاشه فيها وبعد ما كتبت تعليقي كان هو أول من أرسلت له المقال ليطلع عليه بناء على طلبه وطلب مني أن أرسل له ما كتبت أنت أيضا ولعلي أخطأت في ذلك فنشرته بغير إذنك فلعلك تسامحني إذ كان علي أن أنقل لهم فقط ما يخصني من باب الإطلاع والمدارسة
ولكي لا تتوهم خلاف الحقيقة فمن أرسلت لهم المقال لا يعدو عددهم الخمسة كلهم على الشبكة إذ عدد الإخوة الثابتين المعروفين في المغرب كله لا يتجاوز الستين ! أغلبهم لا يدخل الأنترنت وذوي حصيلة علمية ضعيفة ...... 
أما أنني أوهمهم أنني أعجزتك فكيف ذاك ؟ هل هذا استنباط منكم ؟
لا تقلق يا شيخ فشخصك الكريم له منا التقدير والإحترام فليست المسألة هنا مسألة إعجاز وإفحام بقدر ما هي تقرير للعقيدة السلفية وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ...... 
أما قولك : وقد اشتكى إلي بعض إخواننا المغاربة بأنك أصبحتَ تنشر الإرجاء بين الإخوة في المغرب،
فأقول : 
الذي اشتكى إليك هو شخص واحد وهو نفسه الذي أمرتَه أن ينشر بين الإخوة أن الشيخ ربيع غارق في الإرجاء فهي بضاعتكم ردت إليكم .... أما أنني أنشر الإرجاء فهذا افتراء وكذب والله المستعان .....فأنا ناقشت من أراد مني ما تريدون فانقطعت حجته بفضل الله مع حرصي على عدم التوسع في ذلك ونصحي بترك الموضوع زيادة على عدم تضليلي للمخالف وإن كنت أعتقد بطلان قوله وبعد هذا تقلب الحقائق فأكون أن الذي أنشر الفتن والبدع في حين أستطيع قلب الطاولة بنفس صنيعكم وأقول أن هذه سبيل الحدادية وطريقة الخوارج ولكني أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين 
أما قولك : 
كما أننا نراك بين الحين والآخر تحاول بثه في هذه الشبكة التي لا مكان فيها للمرجئة المخالفين لأدلة الكتاب والسنة وإجماع السلف وعقيدتهم التي يقررها شيخنا ومشايخ الدار وإخواانا في الشبكة، 
فأقول : 
لا حول ولا قوة إلا بالله ..... أين وجدت ذلك ؟! أين هي تعليقاتي على الشبكة على العام في هذا ؟؟؟ علقت مرة واحدة عندما رأيت أحد الإخوة يضع فتاوى في مسائل الإيمان فوضعت عقبه فتوى اللجنة .... وأين هو تعليق واحد من عشرات المشاركات والمواضيع من الأخ البوعزي هذا وغيره مع تعليقاته ومجازفاته .... أم هو حلال لهم حرام علينا ؟! وما منعني العجز عن نشرها .... ولكن منعني خشية إذكاء فتنة نامت قبل مدة بين السلفيين يحاول البعض إضرام نارها ..... وأن أكون سببا في التفريق والشقاق وفي نصيحتي لك وللمشرفين بيان ذلك ....
أما قولك : 
وقد ظهر لي أنك متعصب مقلد للمدخلي في إرجائه، ولو كنت تريد الحق فقد نصحتك بما هو كاف في بيانه
فأقول : 
الله المستعان .... هلا قلت غير هذا ؟! أم تريد مني أن أقول لك يظهر لي أنك متحامل على المدخلي لهوى وحقد في نفسك ؟!
فظهر لي أنك تسلك معي مسلك الشيخ ربيع مع خصمه بالإرهاب الفكري والإلزام بما ليس لازم ..... 
وما أردت مجاراتك وجدالك بعدما سردت لك حججي وبينت ما عندي ..... فهذا مقالي مكتوب فيه أكثر من إلزام وأوضحت فيه أصل الإيمان المنجي من الخلود في النار بفضل الله ...... ولعلك إن كتبت ردك أنشط في الرد عليه ويظهر أكثر مما ظهر الفصل في هذه المسألة الحادثة النزاع بين أهل السنة والحدادية التكفيريين ابتداء ثم بين أهل السنة انتهاء ..... والوقت أثمن من أن يصرف في هذا ..... لكن !
إن لم تكن إلا الأسنة مركبا ....... فما حيلة المضطر إلا ركوبها 
يا شيخ يوسف الحق على العين والرأس .....
لكن ما ظهر لي معك حق في هذا واصنع ما شئت ! فما تبديعك لي ولا تعديلك بنافعي عند الله .... فالسلفي سلفي وإن بدعوه.... والمبتدع مجرم وإن زكوه وعدلوه .....الغربة نحن فيها والله أعلم بالنفس وخوافيها ....
أما قولك : 
وأما الأخ حسام فقد أساء الأدب والمعاملة، ولإخواننا المشرفين الحق في تأديبه، لكن ما ينقله هو الحق في هذه المسائل، وأنا أعرفه شخصيا وهو يزورني بين الحين والآخر في محل إقامتي بتونس، وكان مما نقل لي أن خاوا يطعن في العلامة الفوزا
فأقول : 
الأخ حسام ناقشته لأنه يقول في الشيخ ربيع مرجئ بدون سلف له في هذا القول .... فقلت له يلزمك أن تبدع الشيخ الفوزان بناء على منهجك لأنه يقول بحمل المجمل على المفصل ويثني على بعض أهل البدع... نفس الشيء بالنسبة للمفتي ......يعني العالم إذا أخطأ تأتي مباشرة ثم تبدعه فهذا خطأ منك لعلك تطلب منه نسخ ما كتبت له ....... وإن نقل عني غير هذا فلعنة الله على الكاذبين ......
أضف إلى ذلك أن : صاحبك هذا يطعن في الشيخ الألباني ..... فهل توافقه على قوله ؟؟ 
أما ما كتبت تعقيبا على مقالي في الموضوع الآخر فلم تأت بجديد للأسف .....فكلام الشيخ الألباني رحمه الله أشهر من نار على علم .......وتقريره لما أعتقده مزبور في غير ما كتاب وإني مبغض لكثرة الجدال ولعل الوقت أحق أن يستغل في ما هو أهم مما نحن بصدده لذلك لم أكتب حرفا في الرد عليك مع عدم عجزي بإذن الله وفضله... والحمد لله رب العالمين.

البيان المختصر الجلي لمخالفة عبد الكريم أيمن إمام وخطيب مسجد الحسن بن علي لسنة ال


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد الأمين، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وعلى من اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد 
فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم لنبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
وفي الصحيحين( 1) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا).
ومن هذه النماذج التي تعنيها الآية والحديث، إمام وخطيب مسجد الحسن بن علي عبد الكريم أيمن، فقد بلغني أنه يطعن في أحد المستقيمين بسبب تركه للاختلاط واشتغاله بصناعة الجبس وهو مع ذلك يدعي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي دعوى فارغة أنى له اثباتها قال الشاعر: 
والدعاوي ما لم يقيموا عليها * بينات أصحابها أدعياء
وأين هو من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ)( 2).
والناظر في أحوال الرجل، يجد أن سنة خير المرسلين في واد وهو في واد آخر، في خطبه، في دروسه وكذلك في حياته اليومية، ولأبرهن على ما قلته، سأذكر بحول الله وقدرته، ما وقفت عليه من مخالفاته لسنة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- فأقول وبالله التوفيق.
1) طعنه في صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
عند ذكره- في أحد خطبه- لقصة مؤاخاة عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع - رضي الله عنهما- حينما قال سعد لعبد الرحمن أعطيك شطر مالي، ولي زوجتان انظر أيها أعجبتك أطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها.( 3)
قال إن الصحابة تقاسموا أعراضهم، وهذا طعن قبيح في جنابهم - رضي الله عنهم-، هذا الفعل الذي يترفع عنه بعض عتاة الفسقة، وقد أمر هو وغيره بالاستغفار لهم فذهب ينتقصهم قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [الحشر: 10].
ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن سبهم وانتقاصهم، ففي الصحيحين( 4) في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أنَّ أَحَدُكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ). 
2) تبريره للخروج بحجة أن الأصل في الحكم هو الخلافة:
قال في أحد دروسه البدعية بمناسبة ذكرى مقتل الحسين - رضي الله عنه-، أنه لما ولي يزيد بن معاوية - رضي الله عنه، لم يبايع أربعة من الصحابة وهم، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير والحسين رضي الله عنهم أجمعين، فأقول: أن ما قاله عن عبد الله بن عمر فهو كذب عليه، لما جاء في صحيح البخاري( 5) عن نافع قال:" لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ: "إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ".
ففي الحديث دليل على أن عبد الله بن عمر بايع يزيد بن معاوية، وأن كون يزيد أخذ ملك أبيه لا يمنع من السمع والطاعة له في المعروف، خلافا لما يزعمه هذا المتقول، وحاشا صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من فكر الخوارج الضال، وإنما لم يبايع ابن عمر يزيد عندما كان معاوية حيا، لأنه أبى أن يبايع لأميرين، قال الحافظ في الفتح (ج13ص88): "ووقع عند الإسماعيلي من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد في أوله من الزيادة عن نافع أن معاوية أراد ابن عمر على أن يبايع ليزيد فأبى وقال: لا أبايع لأميرين، فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم فأخذها، فدس إليه رجلا فقال له: ما يمنعك أن تبايع فقال: إن ذاك لذلك – يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة- إن ديني عندي إذن لرخيص، فلما مات معاوية كتب ابن عمر إلى يزيد ببيعته، فلما خلع أهل المدينة " فذكره. اهـ
وأما ابن الزبير- رضي الله عنه- فقد خطأه أبو برزة الأسلمي- رضي الله عنه- ففي صحيح البخاري(6 )عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: (لَمَّا كَانَ ابْنُ زِيَادٍ وَمَرْوَانُ بِالشَّامِ، وَثَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، وَوَثَبَ الْقُرَّاءُ بِالْبَصْرَةِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فِي دَارِهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ عُلِّيَّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَأَنْشَأَ أَبِي يَسْتَطْعِمُهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ أَلَا تَرَى مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ ؟ فَأَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ: إِنِّي احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطًا عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِي عَلِمْتُمْ مِنْ الذِّلَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالضَّلَالَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْقَذَكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ، وَهَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ، إِنَّ ذَاكَ الَّذِي بِالشَّامِ وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى دُنْيَا، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُونَ إِلَّا عَلَى دُنْيَا، وَإِنْ ذَاكَ الَّذِي بِمَكَّةَ وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى الدُّنْيَا). 
نقل الحافظ في الفتح (ج13-87): عن ابن بطال ما معناه: أن سخط أبا برزة على أحياء قريش، لأنه أراد منهم أن يتركوا القتال على الإمارة، طلبا لما عند الله في الآخرة كما فعل عثمان والحسن رضي الله عنهما. اهـ
دخل رجل على الإمام أحمد- رحمه الله- فقال: "أنتم لا تجيزون الخروج، وها هو ابن الزبير قد خرج فقال: أخرجوه فقد جمع المخالفين ما لم يقدروا على جمعه". اهـ 
فقد عد الإمام أحمد- رحمه الله- هذا الكلام شبهة كبيرة، فأين هذا المسكين من فهم إمام أهل السنة والجماعة والعجيب في الأمر أنه يدعي التأسي بالسلف الصالح.
وأما عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- فقد أعظم عليه الفرية لأنه توفي في خلافة عثمان، سنة اثنتين وثلاثين، كما في ترجمته في سير أعلام النبلاء (ج2ص446) طبعة دار الصفاء.
وأما الحسين - رضي الله عنه-، فقد نهاه عن الخروج، ابن عباس، وابن عمر، وجابر، وأبو واقد الليثي رضي الله عنهم أجمعين، كما في ترجمته في سير أعلام النبلاء (ج3ص467-491)، والغريب في الأمر أنه لم يتكلم في الأسبوع الموالي عن قصة مقتله، ولعله نُبِّه على ذلك، وكان عليه أن يبين خطأه، كيلا يضل الناس بكلامه هذا.
3) إقامته لدرس الجمعة البدعي:
وقد جاء النهي عنه، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن التحلق يوم الجمعة)( 7).
ولا حجة له في ترخيص البعض بذلك، لأنه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي - صلى الله عليه وسلم-. اهـ
4) تطويله الخطبة وتقصيره الصلاة:
مخالفا لما جاء عن عمار بن ياسر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا)( 8).
قال النووي رحمه الله في الشرح (ج6ص179): قوله صلى الله عليه وسلم: (واقصروا الخطبة)... وليس هذا الحديث مخالفا للأحاديث المشهورة في الأمر في تخفيف الصلاة لقوله في الرواية الأخرى: (وكان صلاته قصدا وخطبته قصدا)( 9) لأن المراد بالحديث الذي نحن فيه: أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلا يشق على المأمومين وهي حينئذ قصد أي: معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها.
5) قراءته بآيات موافقة لموضوع الخطبة: 
وقد عد أهل العلم هذا الفعل من بدع القراء قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في بدع القراء القديمة والمعاصرة (ص59 نسخة مصورة): رتب النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة صلاة الجمعة ثلاث سنن، قراءة سورتي الجمعة والمنافقون، أو سورتي الجمعة والغاشية، أو سبح والغاشية .
وقد فشى في عصرنا العدول من بعضهم عن هذا المشروع إلى ما يراه الإمام من آيات، أو سور القرآن الكريم متناسباً مع موضوع الخطبة .
وهذا التحري لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف عن سلف الأمة، فالتزام ذلك بدعة، وهكذا قصد العدول عن المشروع إلى سواه على سبيل التسنن، فيه استدراك على الشرع، وهجر للمشروع، واستحباب ذلك، وإيهام العامة به، والله أعلم". اهـ
والذي لاحظته في جل الصلوات التي حضرتها، قصده ذلك والتزامه.
6) قوله ما لا يفعل:
وقد جاء فيه الوعيد الشديد في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3] وفي الصحيحين( 10) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ(11) فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ ؟
قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ). 
ومن الأفعال المنكرة التي يأتيها وينهى الناس عنها، عدم إفشاء السلام مع أنه قد يأمر به في دروسه، شهد عليه بذلك غير واحد من سكان حي جبل الجرف بتبسة عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)( 12)، ومنها سد الفرج في الصلاة، فعندما يكون إماما يأمر بسدها، وصلى بجانبي ذات يوم في مصلى خديجة أم المؤمنين، فترك فرجة كبيرة، وقد جاء الأمر بسد الفرج في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ)( 13).
7) أخطاء متفرقة:
عند حضوري لخطبة يوم الجمعة الموافقة لثاني رمضان عام 1436 هـ، ذكر زيادة منكرة( 14) في حديث أبي هريرة، (مَنْ صَامَ رَمضانَ إِيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنبِه)( 15)، وحديث (مَن قامَ رَمضانَ إِيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنبِه)( 16)، وحديث (مَن يَقَُمْ لَيلةَ القَدْرِ إِيمانًا واحتِسَابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنبِه)( 17)، وهي وما تأخر من ذنبه، وهي خصوصية للنبي- صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الآية [الفتح: 1-2] قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (ج7ص209): وقوله: (ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر): هذا من خصائصه - صلوات الله وسلامه عليه- التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو - صلوات الله وسلامه عليه-  في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة... اهـ
ثم عاد ونقض هذا الكلام في آخر الخطبة، وقرر بأننا غير مخيرين في ترك النوافل وقيام الليل، بسبب أن النبي- صلى الله عليه وسلم- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإن كان يقصد أننا غير مستغنين عن النوافل وقيام الليل، فهو صواب، ويؤيده حديث أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ)، قَالَ: ( يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ)( 18).
قال النووي- رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (ج2ص13): قال العلماء: والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها إن عرض فيها نقص، كما ثبت في الحديث في سنن أبي داود( 19) وغيره، ولترتاض نفسه بتقديم النافلة وينشط بها ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة، ولهذا يستحب أن تفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين كما ذكره مسلم بعد هذا قريبا. اهـ
وإن كان يقصد إيجابها على الناس فهو خطأ، ولا دليل له على ذلك نعم قد ثبت النهي عن ترك قيام الليل لمن كان يقومه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (يَا عَبْد َاللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ)( 20).
لكنه نهي تنزيه، وترجم البخاري رحمه الله لهذا الحديث، بباب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه، قال الحافظ في الفتح (ج3ص49): قال ابن العربي المالكي: في هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب، إذ لو كان واجبا لن يكتفي لتاركه بهذا القدر بل كان يذمه أبلغ الذم. اهـ
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ)( 21).
فهو محمول على الندب ويدل لذلك قول علي 
رضي الله عنه الوتر ليس بحتم كهيئة الصلاة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-( 22).
وسائر النوافل مستحبة، لحديث أم حبيبة زوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قالت سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ)( 23)، وفي رواية (تَطَوُعًا)( 24).
وكان عليه أن يبين مراده، لأن المقام مقام بسط وتفصيل، وقد جاء ذم الإجمال في هذا الموضع، عن عدي بن حاتم، قال أن رجلا خطب عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ، قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)( 25)، قال مسلم- رحمه الله- قال ابن نمير: فَقَدْ غَوِيَ.
قال النووي- رحمه الله-  في شرح صحيح مسلم(ج6ص180): ...والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتُفهم( 26). اهـ 
فبئس خطيب القوم هذا الخطيب، لما سبق ذكره من مخازي، والسبب فيها هو التعالم والقول على الله بغير علم، وبدون تقوى الله عز وجل، وليُعلم أن دعواه التسنن فارغة، فهو من المسارعين إلى ترك السنن المستحبات كدعاء الاستفتاح، وجلسة الاستراحة، وصدق أحمد بن سنان القطان 
رحمه الله حينما قال: "ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل بدعة نُزع حلاوة الحديث من قبله"( 27).
وبالإضافة إلى ما سبق فصاحبنا مغرم، بنصب المرفوعات ورفع المخفوضات، وقد لاحظ ذلك كل من له نصيب من علم النحو، هذا ما يحضرني من مخازي هذا المستكبر المتعالم، قد بينتها نصحا له ولمن اغتر به، أرجو بها الثواب من الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) البخاري - فتح- (ج1-100)، ومسلم - نووي- (ج16-2673) واللفظ للبخاري.
2) طرف من حديث أخرجه البخاري - فتح- (ج9-5232)، ومسلم - نووي- (ج14-2172) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
3) أخرجها البخاري - فتح- (ج4-2048) و(ج7-3780)، من حديث عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه-، و(ج4-2049)(2293 مختصرا)، و(ج7-3781-3937) (ج9-5072-5148-5153-5155 بدون ذكر قصة المؤاخاة)، و(5167) من حديث أنس- رضي الله عنه-.
4) البخاري - فتح- (ج7-3673)، واللفظ له، ومسلم - نووي- (ج16-2541). 
5) فتح (ج13-7111) واتفقا على إخراجه بدون ذكر قصة خلع يزيد بن معاوية، البخاري 
فتح (ج10-6177)، ومسلم - نووي- (ج12- 1735).
6) فتح (ج13-7112-7271 مختصرا).  
7) رواه أبو داود (1079 نسخة إلكترونية) بإسناد حسن، وقد لبس أحد المحسوبين على وزارة الشؤون الدينية على القراء، بكون الحديث من رواية محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب وفي كليهما مقال، والرد عليه أن محمد بن عجلان ضعيف في أحاديث أبي هريرة وليس هذا منها، قال الحافظ في التقريب (ص700 رقم 6136): صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وعمرو بن شعيب صدوق كما في التقريب (ص583 رقم 5050)، ولعله يقصد الانقطاع بين شعيب وجده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد رده العلماء، قال الشيخ أحمد محمد شاكر-رحمه الله- في الباعث الحثيث (ص271): طبعة دار الرسالة وقال ابن حبان: في الاحتجاج لرأيه برد رواية عمرو عن أبيه عن جده إن أراد جده عبد الله فشعيب لم يلقه، فيكون منقطعا، وإن أراد محمدا فلا صحبة له فيكون مرسلا قال الذهبي في الميزان: هذا لا شيء، لأن شعيبا ثبت سماعه من عبد الله، وهو الذي رباه، حتى قيل: إن محمدا مات في حياة أبيه عبد الله، وكفل شعيبا جده عبد الله، فإذا قال: عن أبيه عن جده، فإنما يريد بالضمير جده أنه عائد إلى شعيب، وصح أيضا أن شعيبا سمع من معاوية، وقد مات معاوية قبل عبد الله بن عمرو بسنوات فلا ينكر له السماع من جده، سيما هو الذي رباه وكفله. اهـ والحديث حسنه العلامة الألباني- رحمه الله- كما في النسخة المذكورة.
8) أخرجه مسلم - نووي- (ج6-869). 
9) يشير إلى ما أخرجه مسلم - نووي- (ج6-866) عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه-.
10) البخاري - فتح- (ج6-3267) واللفظ له، ومسلم- نووي- (ج18-2989). 
11) قال النووي رحمه في شرح مسلم (ج18ص115): هو بالدال المهملة، قال أبو عبيد: الأقتاب الأمعاء، قال الأصمعي: واحدها قتبة وقال غيره قتب وقال ابن عيينة: هي ما استدار في البطن وهي الحوايا والأمعاء، وهي الأقصاب واحدها قصب، والاندلاق خروج الشيء من مكانه. اهـ
12) طرف من حديث أخرجه مسلم - نووي- (ج2-54)، والترمذي (2688 نسخة مصورة)، وقال هذا حديث حسن صحيح.
13) طرف من حديث أخرجه أبو داود (666 نسخة إلكترونية)، وصححه الشيخ الألباني كما في النسخة المذكورة.
14) وقد بلغني أنه نبه عليها في الجمعة التي بعدها، وهكذا يجب عليه أن يرجع عن جميع ما ينتقد عليه إن كان يريد الخير، وإلا فلا يلومن إلا نفسه.
15) أخرجه البخاري - فتح- (ج1-38) واللفظ له، ومسلم - نووي- (ج6-760).
16) أخرجه البخاري - فتح- (ج1-37) وهذا لفظه، ومسلم - نووي- (ج6-759).
17) أخرجه البخاري - فتح- (ج1-35) و(ج4-1901-2014 وفيه ذكر الصيام أيضا)، ومسلم - نووي- (ج6-760- 176).
18) أخرجه أبو داود (864 نسخة إلكترونية) واللفظ له، وصححه الشيخ الألباني كما في النسخة المذكورة، والترمذي (413 نسخة مصورة).  
19) يقصد الحديث الذي ذكرت.
20) أخرجه البخاري- فتح- (ج3-1152)، ومسلم - نووي- (ج8-1159-185) واللفظ للبخاري.
21) أخرجه أبو داود (1416 نسخة إلكترونية)، وصححه الشيخ الألباني كما في النسخة المذكورة، والترمذي (453 نسخة مصورة)، قال الحافظ في بلوغ المرام (ص110)، رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة.  
22) أخرجه الترمذي (453-454 نسخة مصورة)، قال الحافظ في بلوغ المرام (ص107): رواه النسائي، والترمذي وحسنه، والحاكم صححه. 
23) أخرجه مسلم- نووي- (ج6-728).
24) (728-102-103).
25) أخرجه مسلم- نووي- (ج6-870).
26) يشير لطرف الحديث الذي أخرجه البخاري - فتح- (ج1-94-95)، و(ج11-6244).
27) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص14) طبعة دار الهلال، وأخبرني أخونا أبو موسى العربي البسكري أن الشيخ يحي- حفظه الله- صححه.
                                                كتبه أبو عبد الله إبراهيم بن خالد التبسي الجزائري.
                                                تم الفراغ منه مساء يوم السبت 24 رمضان عام 1436هـ