الخميس، 10 مايو 2018

بيان ضابط التراجع الشرعي من البدعي رد على الحزبي الكريم الحجوري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي المتقين،والصلاة والسلام على نبيه قائد الغُر المحجلين،وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه إلى يوم الدين .
أمَّا بَعْدُ 
فإنَّ لأهْل الباطل شُبهٌ وتلبيساتٌ،قد حذَّرنا منها رَب البريات،وبيَّن أتم البيان حال أصحاب المكر والمخادعات . فقال تعالى مخبرًا عنهم : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }[فصلت : 26 ]. ومِن هذا القبيل ما تكلم به أبو عمرٍو عبد الكريم الحجوري ـ هداه الله ـ في كلمته التي ذَم فيها أبا بلالٍ خالد بن عبودٍ الحضرمي،ووصفه بالتقليد والتخبط،وأنه ليس مِن أهْل الجرح والتعديل . وهذا كلام حقٍّ ّّّّوقد سُبق إليه؛لأنَّ أي أحدٍ مِن أهْل الإنصاف،يَسمَع مقالات هذا الرَّجل؛فسيكون حكمه هكذا . لكن الدافع له على هذا الكلام؛هوأنَّ أبا بلالٍ لم يجاريه على باطله مِن أول وهلةٍ . ثُم ذهَب يََخبط خبط عشوءٍ في الرد على ما يُتنقد عليه،فكان ممَّا دَندن عليه،أنَّ الأعلمية وكثرة المؤلفات والدروس تساوي الحق وهذه دعوةٌ عريضةٌ،دونه خرط القتاد لإثباتها . قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في " فضل علم السَّلف "  (ص5) : " وقد فُتن كثيرٌ مِنَ المتأخرين بهذا؛ فظنوا أنَّ مَن كَثُر كلامه وجداله و خصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممَن ليس كذلك،وهذا جهلٌ محضٌ . وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكرٍ وعمر وعليٍّ ومعاذٍ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ كيف كانوا. كلامهم أقل مِن كلام ابن عباسٍ وهم أعلم منه،وكذلك كلام التابعين أكثر مِن كلام الصحابة، والصحابة أعلم منهم، وكذلك تابعوا التابعين كلامهم أكثر مِن كلام التابعين، والتابعون أعلم منهم . فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال ولكنه نورٌ يُقذف في القلب يفهم به العبد الحق ويميز به بينه وبين الباطل، ويُعبِّر عن ذلك بعباراتٍ وجيزةٍ مُحصلِّةٍ للمقاصد " . اهـ وقال  أبو العباس المبرد ـ رحمه الله ـ  في " الكامل في اللغة والأدب " (ج1ص28 )ط/دار الفكر العربي القاهرة : " وليس لقدم العهد يُفضل القائل، ولا لحدثان عهدٍ يُهتضم المصيب، ولكن يُعطى كل ما يستحق " . اهـ 
وقال الشيخ سعيد بن دعاسٍ ـ رحمه الله ـ في الدرس السادس والأربعين مِنَ التعليق على شرح الواسطية للهراس ـ رحمه الله ـ : " وفي أيامنا هذه،إذا حُوجج الإنسان بحُجةٍ شريعةٍ،وذكِّر بأصلٍ شرعيٍّ،أو رُد عليه باطلٌ وانتقِد،كما فعَل أيضًا صاحب " الإبانة " . يقول : وهذا الفهم يخالف فهْم مَن هو أكبر سنًّا،وأكثرعلمَا،مع أنَّ هذا ليس ميزانًا؛لمعرفة الراجح مِنَ المرجوح،والصواب مِنَ الخطإ . بل الميزان هو حُكم الشرع،ودليل الشرع؛ولهذا الله ـ عز وجل ـ يقول : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } . ما قال : إلى مَن هو أكبر سنًّّا،أو أكثر علمًا . ثُم كبَر السن ليس له تأثيرٌ في فهم الحق،ولا أيضًا في معرفة الصواب في دين الله ـ عز وجل ـ بل كثرة العلم لا تقتضي أنَّ مَن كثُر علمه عند الاختلاف مع غيره يكون مصيبًا فيما قال . وقد اختلف عددٌ مِنَ الصحابة فيما بينهم،وكان الحق عند المحاققة في جانب مَن هو أقل علمًا . اختلف أبو سلمة بن عبد الرحمن مع ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ في بعض مسائل الحج،فكان الصواب مع أبي عبد الرحمن بن سلمة وهو تابعيٌّ،وابن عباسٍ حَبر الأمة . وهكذا أيضًا عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ خالف عمر في بعض المسائل،وعمر لا شك ولا ريب أنه أرفع وأفضل وأعلم،ومع هذا كان الحق حليفًا لعليٍّ ـ رضي الله عنه ـ وكما يختلف بعض أزواج النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع بعض الصحابة،ممَن هم في العلم أرفع منزلةً،ومع هذا لم يكن كثرة العلم ميزانًا؛لمعرفةالراجح مِنَ المرجوح،والصواب مِنَ الخطإ " . اهـ وقد صحَّح الشيخ سعيدٍ ـ رحمه الله ـ اسم التابعي في آخر الدرس ـ أقصدأبا سلمة بن عبد الرحمن ـ بعدما ذكَره في المرة الثانية باسم أبي عبد الرحمن بن سلمة؛بتنبيهٍ مِن أحد الطلاب جزاه الله خيرًا .
وهذا الكلام وهو وصفه أحد الإخوة السودانيين،أنه لايُحسِن تدريس الأصول الثلاثة،ولا يفْهم كشف الشبهات،هو في الحقيقة حيدةٌ عن موضع النزاع . فكما هو معلومٌ،أنه لو تنازع مع رجلٍ مِنَ العوام،فضلًا عن طالبٍ مِن طلاب العلم،فإنه لا يَصلح أن يستعمل معه هذه الطريقة؛وإلا لاعُد ذلك تهربا منه . وهل يُعقل أن يأتي شخصٌ ويقول لك،أنت عندك كذبٌ وتسولٌ،وغيرها ممَّا يُنتقد عليك؛فتذهب تدلل على جهله،أو أنه يحسِن أو لا يحسِن ليست هذه القضية،ولا يصلح ذلك . وهذه الطريقة يستعملها أهْل الباطل للهروب،والتمترس فهنيئًا لك أساليبهم . وأمَّا طلبك التثبت في أخبار الإخوة السودانيين،ووصفهم بالفسقة؛فمردودٌ عليك . لثبوث عدالتهم فيقال لك اثبت العرش ثُم انقش،وهذا مِنَ التثبت المبتدع الذي ينادي به روءس أهْل البدع في الوقت الحاضر . وهاهو الشيخ يحيى ـ وفقه الله ـ لم يَرد مِن أخبارهم شيئًا،وإنما هوَّن مِن شأنها،ورأى أنها لا تصل إلى درجة وصمك بالحزبية والانحراف . والذي يظهر أنَّ هذه الأمورلا مساغ لتأويلها،فهل يقال كذََب وحرَّش،أو تسول باجتهادٍ منه،والشيخ يحيى بشرٌ يخطئ ويصيب . ونقلك عن الشيخ محمد مانع ـ حفظه الله ـ أنَّ أحد الإخوة السودانيين اتصل به فأخبره أنه ما رضي تخطئتك،وأرشده إلى التحاكم،ثُم عندما أغلق الهاتف،قال : " احذروا هذا اللئيم " . فأقول : إنَّ أخبارك الأحرى أن يتوقف فيها،بعد ركوبك الصعب والذلول،وعلى اعتبار صحة الرواية؛فلا يُقبل هذا مِنَ الشيخ محمد مانع؛لأنَّ الرضى مِن عدمه يكون وفقًا للدليل . ثُم كيف يتكلم في ظهره،كان الأولى أن ينصحه إذا اعتقد خطأه ثُم يَحكم بعد ذلك . وما ادعيته مِن طلب الاحتكام إلى الكتاب والسُّنة،وكذا طلب الصلح،ورفض الإخوة السودانيين لذلك،في النفس منه شيءٌ؛لأنَّ دعواك هذه كاذبةٌ بلسان الحال؛لما قررته ولا زالت تقرره مِن أباطيلٍ في كلمتك الأولى،وما سياتي في الثانية إن شاء الله تعالى . وهناك أمرٌ ثانٍ وهو أنَّ الإخوة السودانيين عندما علموا بقدومك على الشيخ يحيى ـ وفقه الله وحفظه ـ طلبوا مِنَ الشيخ الجلوس معك؛لأجل تجلية ما حصَل بينهم وبينك مِن أمورٍ،لكن الشيخ يحيى رفَض؛لما يَعلم مِن ضعف حُجتك  . وعند انتهاء الكلمة الأولى سارعت إلى حفظها؛لما غلَب على ظني مِن عدم ثبات الرَّجل على ما قَرره مِنَ الحق،وإن مشوبًا بباطلٍٍ . 
وإذا به بعْد مُدة يصدِر الكلمة الثانية وكان ممَّا قاله في مطلعها : " ما جرى بيني وبين الشيخ أبي بلالٍ ـ حفظه الله ـ فقد اتصل علي شيخنا يحيى ـ حفظه الله ورعاه ـ وقال أسألك بالله،أن تحذف الكلام الذي تكلمت به حول أبي بلالٍ . والحقيقة أنَّ طلَب شيخنا يحيى ـ حفظه الله ـ يقبل في أكبر مِن هذا،وفي أعظم منه،وربَّما لو شفَع في مسائلٍ فيها قطع رءؤسٍ،أنَّ طلبه يُقبل،فكيف وقد أمَر . وطلبه وأمره مقبولٌ عندنا،وله علينا مِنَ الفضل والمنة بعد الله،ما الله به عليمٌ " . اهـ ويجاب عن هذا،بأنَّ هذه الأمور حقٌّ محضٌ لدين الله ـ عز وجل ـ ولا تصْْلح فيها الشفاعة . وإلا لقبلها شيخك ِمن قَبل،وقد عُرضت عليه في فتنة أبي الحسن المأربي،وفتنة عبد الرحمن العدني؛فالعجب مِنَ الشيخ يحيى كيف يطالب غيره بما لم يرتضيه مِن قبل ! . والعجب منك كيف تقبل هذا الطلب ! أتقبل طلبًا أوأمرًا مخالفًا لكتاب الله وسُنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ـ وقد عَد الشارع طاعة الأمراء والعلماء،في تحليل ما حرَّم الله،وتحريم ما أحل الله عبادةً . قال الله تعالى : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ } [التوبة : 31] . ومِنَ التناقض قوله : والحقيقة أنَّ طلَب شيخنا يحيى ـ حفظه الله ـ يُقبل في أكبر مِن هذا،وفي أعظم منه،وربَّما لو شفَع في مسائلٍ فيها قطْع رءؤسٍ،أنَّ طلبه يُقبل،فكيف وقد أمَر " . اهـ لأنَّ مسألة قطْع الرءؤس،تُقبل فيها الشفاعة بقيد كون القتل ليس غيلةً،وقَبل رفْع الحدود إلى السلطان . وهذا تسويةٌ منه بين المختلفات . وقوله " وله علينا مِنَ الفضل والمنة بعد الله،ما الله به عليمٌ " . اهـ يَصب في مصبٍّ واحدٍ مع قول شيخنا الحميد الحجوري ـ وفقه الله ـ أنَّ مَن صنَع لك معروفًا؛لا تتكلم فيه ولا تُحذر منه . وقد وفَّق الله لرد خطئه،مني أنا وكذلك أخونا العربي البسكري . فليس اسداء المعروف؛مبررًا لترك الإنكار على المخطئ،ولا قبول الشفاعة الباطلة كما قرراه . 
وقال أيضًا : " وما حصَل بناءً على ما حصَل مِن ثنائه على بعض الذين ظلمونا وأفتروا علينا وأدخلونا السجون،ظلمًا وزورًا،وما حصَل مِن بعض الصوتيات التي فيها مِنَ الغمز واللمز . وقد توسطت ببعض الفضلاء عند الشيخ أبي بلالٍ ـ حفظه الله ـ ووعد بالتراجع ولم يحصل،ولكن الذي حصل عفا الله عما سلف " . اهـ  فيقال له : هل كلامك هذا يُعفي خالد بن عبودٍ الحضرمي،مِن تبعات تقريراته الفاسدة،وخوضه في ما لا يحسن ؟! . أم أنَّ السبيل لذلك ما ذكَره الله تعالى في كتابه : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } الآية [ البقرة : 160] . لأنَّ الله ـ عز وجل ـ علَّق انتفاء التبعات،على التوبة والبيان والإصلاح،في هذه الأمور وليس؛لتدخل فلانٍ،وسحْب علانٍ لكلامه . وهب أنك سحَبت كلامك وسكتت وسكت غيرك،فهل سيسكت الجميع ؟! . لا؛لأن هذا الأمر منتفٍ . وقد ثبََت عن عبد الله بن مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : " إنَّ الله لا يَجمع أمة محمدٍ على ضلالةٍ " . أخرجه ابن أبي شيبة (ج 7ص 1456)ط/مكتبة الرشد بالرياض،والبيقهي في " الشعب "(7111)ط/مكتبة الرشد،بإسنادٍ صحيحٍ . و أبو بلالٍ معروفٌ بكِبْره وعدم تراجع،عند العام والخاص . وأمَّا دعواك وشاية الإخوة السودانيين بك،وإدخالك السجن،فلا أظنها تصح . فقد نقلوا عنك خلاف ذلك،وأنك تهرول إلى المسئولين،مِن أهْل الأهواء وتنقل إليهم أقوال أهل السُّنة فيهم . قال الشيخ أبو عكرمة ـ وفقه الله ـ في " التبيان لإثبات ما نفاه عبد الكريم الحجوري في البيان " (ص3) : " وقد قلتَ عند أحد كبار المسئولين،مِنَ الإخوان المسلمين : هؤلاء يقولون عنكم أنكم حزبيون،فماذا تقول أنت في الإخوان ؟! ".اهـ 
وقوله في الختام : " فهو أخونا ونحن إخوانه،ونحن جميعًا تربطنا العقيدة الواحدة،والطريقة الواحدة،والمنهج الواحد . يربطنا كتاب الله ـ عز وجل ـ وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على فهم السَّلف وبيننا التحابب والتآخي ..." . اهـ نعم هو أخوك وأنت أخوه،على قاعدة التعاون والمعذرة،وأفيحية المنهج،أمَّا الكتاب والسُّنة على فهم السَّلف،ففيه نظرٌ؛لما سبَق بيانه . 
ثُم وقَفت له على كلمةٍ أخرى،هي عبارةٌ عن جواب سؤال أحد المتعصبين له،والذي وصف الرادين على عبد الكريم الحجوري ـ هداه الله ـ بالسفهاء . فأجاب بما حاصله،أنَّ السائل أجاب نفسه،ثُم أخذ يلبِّس ببعض الشبهات المذكورة آنفًا،مِن تحقير للأمور التي تنتقد عليه،وذكَر أنََّ الإخوة السودانيين ذهبوا وعرفهم الداني والقاصي،وأنَّ الشيخ عدنان المصقري كتَب مؤلفًا في الدفاع عنه،ثُم اتفقا على إهمالهم . وقد تقَدم الجواب على بعضها،وقوله عن الإخوة السودانيين ذهبوا وعرفهم الداني والقاصي . فيقال : أنَّ ما تنازعتم فيه الحق في جانبهم،وإن كان هناك ما يُنتقد فأبرز دليلك،وكل يُؤخد مِن قوله ويُرد عدا صاحب الرسالة ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمَّا اتفاقك مع المصقري ـ هداه الله ـ على تهميش الحق الذي أدنت به،فليس بغريبٍ عنه ولا عنك؛فهو معروفٌ بالتخذيل والتحذير مِن أهْل النُصح،حتى في دار الحديث بدماج،أخبرني بذلك أخونا الثبت أبو موسى العربي البسكري . ولو كان معكما شيءٌ واضحٌ لصرختم به صراخًا،ماهي إلا شبهاتٌ مكررةٌ،لا تنطلي على أصحاب الإنصاف والتجرد للحق . ولا حبذا لو أخْرَج المصقري مؤلفه هذا؛كي يراه الناس،وصنيعكما هذا يذكرني بالمثل القائل : كان عندي جدٌّ ومات . 
هذا ما تيسر لي بيانه،وأسال المولى تعالى مزيد فضله وامتنانه،وأن يجنبنا الفتن ما ظهَر منها وما بطن،والحمد لله رب العالمين . 
للاستماع أو تنزيل صوتيات عبد الكريم الحجوري من هنا
              تَم الفراغ منه بتاريخ 24 رجب سنة 1439 هجري
               كتبه أبو عبد الله إبراهيم بن خالدٍ التبسي الجزائري
                            في الرباح وادي سوف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق