بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رَب العالمين،والعاقبة للمتقين،ولاعدوان إلا على الظالمين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسَلم .
أمَّا بَعْدُ
فقد قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }[الأحزاب : 21] .
قال ابن كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في تفسيرها (ج6 ص199) ط/دار ابن الجوزي : " هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أقواله وأفعاله وأحواله؛ولهذا أمِر الناس بالتأسي بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الأحزاب،في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج مِن ربه،عز وجل،صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين؛ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي : هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟! ولهذا قال : { لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } ". اهـ
ومِنَ التأسي برسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تَرْك الانتقام للنفس،والانتقام لدين الله تعالى . عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قالت : " مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا،مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا،فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ،وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ،فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا " أخرجه البخاري ـ فتح ـ (ج6 ـ 3560)،و(ج10ـ 6126) ،و(ج12 ـ 6786 ـ 6853)،وهذا الأخير فيه موضع الشاهد فقط،ومسلمٌ ـ نووي ـ (ج15ـ2327 )،و(2328) بنحوه واللفظ للبخاري . قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في " شرح رياض الصالحين " ط/دار الآثار : "... وهذا مِن كرمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،أنه لا يَضرب أحدًا على شيءٍ مِن حقوقه الخاصة به؛لأنَّ له أن يعفو عن حقه،وله أن يأخذ بحقه . ولكن إذا انتهكت محارم الله فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يرضى بذلك،ويكون أشد ما يكون أخذا بها؛لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لايُقر أحدًا على ما يُغضب الله ـ سبحانه وتعالى ـ وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو،وما عفى مِن أحوال الناس وأخلاقهم ويُعرض عنهم،إلا إذا اتهكت محارم الله،فإنه لا يُقر أحدًا على ذلك ". اهـ وممَن سار على هذا الخلق الذميم،مخالفًا بذلك هدي نبينا الكريم،عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم،خالد بن محمدٍ الغرباني . فبعد أن كان يقلد،ويَقبَل الغث والسمين،أصبح بعد أن أوذي في نفسه، يكر على بعض الأصول السَّلفية بالهدم؛فنادى على نفسه بالذم واللطم،فلم أجد بدًّا مِن رد أباطيله،ودحرها نصحًا لأهل السُّنة،فاقول وبالله التوفيق .
إنَّ أسباب الضلا ل كثيرةٌ ومتنوعةٌ،ومنها : نقص الإخلاص لله تعالى،وترك الاتباع للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإثار الخلق على الحق،أو إيثار دنيا عليه . وهذا الغرباني أوتِي مِن قبل جهله ونفسه الأمارة بالسوء التواقة للانتقام،وإلا فقد كان يَفعل ويقول كثيرًا ممَّا ينكر الآن،فما الدافع له على ذلك يا ترى؟ وإلى بيان بعض أباطيله .
التقليد
وهو باب غوايةٍ وضلالٍ قال الله تعالى مخبرًا عن المشركين :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } الأية [البقرة : 170] . وقال ـ عز وجل ـ أيضًا : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } الأية [المائدة : 104] . قال ابن كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في تفسيره (ج3ص139) : " أي : إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه وتَرْك ما حرمه،قالوا : يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد مِنَ الطرائق والمسالك ". اهـ المراد
ومِن أمثلته
- أنَّ خالدًا الغرباني،كان لا يَقبَل ما ينتقد على يوسف العنابي،مع أنه بُين له . لكنه أبى إلا التقليد،فما دام الشيخ يحيى لم يتكلم فيه؛فهو عدلٌ عنده،وعندما صادمه حكَم عليه بالانحراف .
ـ كان يطعن في سليمٍ الهلالي،ويرميه بالتقصير في الدفاع عن الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ وعندما نزَل زيارةً عند الشيخ يحيى في السعودية،رُفعت صوتيته عنده في الشبكة . وقد بينت ذلك في حينها وهو منشورٌ على المنتديات .
- عندما حدَثت الفتنة في السودان،كان الغرباني يَنشُر لكلا الطرفين،للشيخ أبي عمرو الحجوري،والشيخ وليد بن فضل المولى . مقلدًا في ذلك الشيخ يحيى في قوله : " كلهم أهل سُنة " مع أنه غير مُسلمٍ للشيخ - وفقه الله - هذا الكلام؛لأنه كان ينكره على مشايخ اليمن،البرعي والوصابي والإمام،حينما قالوا ذلك،في نزاعه مع عبد الرحمن العدني؛لقيام الدليل على حزبيته عنده . ويلزمه ما ألزم به غيره؛لأنَّ الإخوة السودانيين أقاموا الدليل على حزبية عبد الكريم الحجوري،فلزم في هذه ما لزم في تلك . وعندما سُحبت منه الشبكة،أصبح يتكلم في عبد الكريم الحجوري،فقال في " الشبكة العلمية شبكةٌ مسروقةٌ مِن شبكة العلوم السلفية " (ص9) يخاطب المشايخ الذين أصدروا ضده بيانات : " وأين بياناتكم على أبي عمرٍو الحجوري ؟! وهو يُمزق الدعوة السَّلفية في السودان التي قامت على أيدي الشرفاء السلفيين ". اهـ ويقال له : أين بيانك أنت ؟! أم أنك أخرته إلى وقت الحاجة .
ـ كَتب في صفحته في فيسبوك،بتاريخ 15 شوال 1438 هجري أنه كانت له علاقةٌ طيبةٌ بالشيخ سعيد ـ رحمه الله ـ وكان يَنزل عنده في صنعاء،وتكلم عنده في خالد بن عبودٍ الحضرمي،فنهاه عن ذلك . والظن أنَّ الشيخ سعيد لا يتكلم إلا بدليل،لكن منعك التقليد مِن موافقته،ثُم ما هو هذا الكلام الذي قاله لك،ولم يئن الوقت لإخراجه،أما تدعو إليه الحاجة إليه الآن ؟! . وأظن أنَّ سبَب عدم إخراجه؛كونه حُجةً عليك،وأنك كنت ملزمًا به في وقته،لكن الحامل لك على عدم العمل به هوالتقليد .
الثناء والدفاع عن أهل الأهواء
وقد جاء النهي عنه في قوله ـ تعالى ـ {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}[النساء: 107] .
ـ فقد أثنى على عبد الرحمن العدني،ووصفه بفقيه اليمن،في مقالٍ منشورٍ في شبكة العلوم السَّلفية،بتاريخ 9 ذي القعدة 1439هجري،بعنوان " رَحم الله فقيه اليمن " . كتبه دفاعًا عن عبد القوي الحزمي،وليس الإشكال في الترحم عليه لجواز ذلك،لكن الأشكال في وصفه بالفقيه،وهل مِنَ الفقه في الدين السعي في تشتيت شمل أهل السُّنة؟! ولا يغني عنه استشهاده بتزكية الشيخ مقبلٍ ـ رحمه الله ـ ؛لأنَّ الرجُل غيَّر وبدَّل بعده . ومع ذلك فقد ذهَب يلبِّس في صفحته في فيسبوك،بأنَّ مراده الإنكار على مَن أنكر الترحم عليه،وكلامه صريحٌ في الثناء عليه لا يحتمل هذا التأويل . ودافع وأثنى على المخذول علي بن ناصرٍ العدني، في مقالٍ منشورٍ على شبكة العلوم السَّلفية، بتاريخ 19 ذي القعدة 1438 هجري، بعنوان "أبو مصعب علي بن ناصرٍ بين الثناء والمدح". وفي بعض ما قاله حقٌّ، ولكن أراد به باطلًا؛ لأنَّ الكثير مِنَ المحيطين بالشيخ يحيى مقلدةٌ ومتعصبةٌ. لكن في شأن علي بن ناصرٍ الأمر يختلف؛ لأنه بغى وقلب الحقائق، فلا يُنكر على مَن أنكَر عليه. والدافع لك على مناصرته هو المشاكلة، أي: أنك تقول بما يقول، لكنك جبان في بداية الأمر، فلمَّا وصل الأذى إليك أفصحت.
التلبيس وتقليب الحقائق
مِن أمثلته
ـ ما قال في مقاله " زجر المخذل المخالف والدفاع عن قوات التحالف " (ص2) : " وبتوفيقٍ وفضلٍ مِنَ الله كان لي خُطبة جمعةٍ بعنوان وجوب الوقوف مع التحالف العربي ضد الحوثي بتاريخ 3جمادى الأولى1437هـجري وهي منشورةٌ في شبكة العلوم السَّلفية ". اهـ هذه الخُطبة التي يشيد بها كان يرفعها تارةً ويحذفها تارةً،يجُس بها النبض،فإن رضي الناس حذفها،وإن غضبوا رفعها،اقصد الشيخ يحيى ومَن معه مِنَ المشايخ والطلاب . ومع ذلك يَدعي أنه يساند قوات التحالف،ولوكان صادقًا في دعواه لما قايض بها،وعندما كَر عليه الطلاب وطالبوه بتسليم الشبكة،واجههم بتزكيات الشيخ يحيى وسليمٍ الهلالي،وعندما أَخرج الشيخ يحيى كلاما لا يخدمه،افصح عمَّا في نفسه؛واتضح أنَّ الأمر اخدمني اخدمك،والله المستعان .
- وما قال في المصدر السابق (ص2) : " قال معافى - وفقه الله - : " حتى صار كثيرٌ منهم متعلقٌ بالدنيا " . أقول : " أعوذ بالله مِنَ الدخول في النيات،هذا سلاحٌ خبيثٌ في الطعن في أولياء الله والتشكيك فيهم " .اهـ
وهذه مِن شبهات الحزبيين،التي يكرون بها على مَن تَبين له شيءٌ فأنكره . والظن بالأخ معافى أنه رأى أو سَمع ما يُنكر؛لأنَّ هذه المعسكرات إلا ما رَحم الله،فيها هذه الأمور . ويقال له : ما الذي دفعك على الحكم عليهم بأنهم أولياء لله،أليس الظاهر؟! فكيف تنكر على غيرك الحكم به ؟! .
ـ وما قال في المصدر السابق ( ص5 ) : " ولماذا سلِمت منكم جميع المعسكرات ولم يسلم منكم معسكر الفتح؟! ولماذا سلِم الحوثي وعفاش وزمرتهم مِن بياناتكم ولم تسلم الثغور والمعسكرات مِن بياناتكم ماذا وراء الأكمة ". اهـ
وهذه أيضًا شبهةٌ حزبيةٌ وكلامه هذا يعود بالنقض على ما قبله،وقد يقول : " أنَّ ظاهر قولهم التثبيط والتخذيل عن الجهاد "،فأقول : ظاهر هذا الأنكار هو الأصلاح؛لما عُلم مِن حال هذه المعسكرات . قال الله تعالى مخبرًا عن شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ : { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود : 88 ] . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيرها (ص387)ط/دار الرسالة : " { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ْ} أي : ليس لي مِنَ المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم وتستقيم منافعكم،وليس لي مِنَ المقاصد الخاصة لي وحدي شيءٌ بحسب استطاعتي .
ولمَّا كان هذا فيه نوع تزكيةٍ للنفس،دفَع هذا بقوله : { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ } أي : وما يحصل لي مِنَ التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى،لا بحولي ولا بقوتي .
{ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي : اعتمدت في أموري ووثقت في كفايته،{ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } في أداء ما أمرني به مِن أنواع العبادات،وفي هذا التقرب إليه بسائر أفعال الخيرات .
وبهذين الأمرين تستقيم أحوال العبد،وهما الاستعانة بربه والإنابة إليه،كما قال تعالى: { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وقال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ". اهـ وأمَّا الباطن فعلمه إلى مَن لا تخفى عنه السرائر،ولسان حالك كما قال الشاعر
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم .
وكلامك هذا فيه طعنٌ شديدٌ،على مَن نصَح لعباد الله،مِن علماءٍ وطلاب علمٍ . ويوهم أنَّ هؤلاء لم ينصحوا لبقية المعسكرات مِنَ المسلمين،وكذا الكفار مِنَ الرافضة ومَن والاهم؛لأنَّ الواقع يشهد بخلاف ذلك،ودونك خرط القتاد لإثبات دعواك . كما أعْلمك وأظن أنه لا يخفى عليك،أنَّ المتمسح بالسُّنة وليس منها،أشد ضررًا على أهْل السُّنة مِن غيره؛لذا كانت الأولوية لبيان ضرره . قال شَيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في مجموع الفتاوى (ج23 ص231) : " ومِثل أئمة البدع مِن أهْل المقالات المخالفة للكتاب والسُّنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسُّنة فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ ، فقال : إذا قام وصلَّى واعتكف فإنما هو لنفسه،وإذا تكلَّم في أهْل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل؛فبيَّن أنَّ نفع هذا عامٌّ للمسلمين في دينهم مِن جنس الجهاد في سبيل الله؛إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفْع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين،ولولا مَن يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم مِن فساد استيلاء العدو مِن أهْل الحرب فإنَّ هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها مِنَ الدين إلا تبعًا وأمَّا أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً " . اهــ
ـ ودندنتك على سرِّية نصح ولاة الأمور،أو نوابهم،كما في (ص3 ـ 4) مِنَ المصد السابق،فليس على إطلاقه،فمنهم مَن يُرد عليه علنًا . قال الشيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ في مقاله " وأنا أريد الزين لبلاد الحرمين حكومةً وشعبًا وسائر بلاد المسلمين أيها الشيخ العنجري " : " بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده،وصلى الله وسلَّم وبارك على مَن لا نبي بعده،نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه .
أمَّا بَعْدُ،فقد اطلعت على مقالٍ نُشر في شبكة المعلومات بتاريخ 3 صفر 1439هـجري،بعنوان: " أريد زينك " جاء في آخره : " كتبه الشيخ محمد بن عثمان العنجري " ذكر في أوله أنه دفعه إلى كتابته قراءتُه لمقالٍ لي بعنوان: " وزير التعليم والتغريبيون يسعون بضراوة لتدمير بلاد الحرمين " ، نشر في 19 محرم 1439هـجري، وقد ذكَر في مقاله أنَّ الوزراء وأمثالهم لا يُنتقدون علنًا،ومِنَ المعلوم أنَّ الوزير إذا كان تغريبيًّا يعلن ما فيه إفساد التعليم فإنه يستحق إظهار الرد عليه،وسبَق أن كتبت كلمةً بعنوان : " نحب لدولتنا السعودية دوام عزها ونبغض التغريبيين الساعين بمكرهم لإضعافها " نُشرت بتاريخ 20 شعبان 1431هـجري، وكلمةً بعنوان : " لا يليق بأهل المجد أن يكونوا مستندًا للتغريبيين الماكرين بمجدهم " نُشرت في 7 صفر 1432هـجري، وكلمةً بعنوان : " بلاد الحرمين وخطر أعدائها الثلاثة " نُشرت في 8 ربيع الأول1431هـجري، ذكَرت فيها أنَّ التغريبيين قتلة الأخلاق هم أخطر أعداء هذه البلاد " . اهـ المراد وقد يقول : إنَّ هذا القياس مع الفارق فأقول : لا فارق؛لأنَّ التغربيين يسعون في إفساد التعليم في بلاد الحرمين،وهؤلاء يسعون في تضييع طلاب العلم في تلك البلاد؛بحُجة الجهاد وغيره مِن أعمال البر . وهنا عندنا في الجزائر،عندما ننكر على الحزبيين الجدد مسارعتهم إلى المساجد،على ما فيها مِن بلاءٍ،يتهموننا بالتخذيل وعدم نُصرة الدعوة،وهم المخذلون في الحقيقة للدعوة السَّلفية؛بنشر الشقاق في أوساطها؛لأنه لا يستقيم نصرة دين الله بمعصيته . ولا حُجة في كلام الشيخ،لمن أراد إسقاطه على واقع التعليم في الجزائر؛لأنَّ التعليم هنا تغريبيٌ مِن أصله . فلا فائدة في إثارة القلاقل،ومحاولة الإصلاح مِنَ الداخل كما يزعمون،وإنما ينصح الناس بالابتعاد عنه،كما بين ذلك أهْل العلم وكفى .
ـ خلطه بين الإنكار العلني،على الولاة أونوابهم،وبين الخروج عليهم،كما في مقاله " تعزيز الدفاع عن معسكرات التحالف وبيان أنَّ طاعة الأمراء والقادة مِن طاعة ولي الأمر " (ص 1ـ 2) فأقول : ثبَت عن بعض السلف الإنكار على على الولاة أونوابهم،علنًا في حضورهم . كما فعَل أبو سعيدٍ الخُذري ـ رضي الله عنه ـ مع مروان بن الحكم،حينما أراد أن يبدأ بالخطبة قبل الصلاة،يوم العيد كما في الصحيحين البخاري ـ فتح ـ (ج 2 ـ 956)،ومسلمٍ ـ نووي ـ (ج 6 ـ 889) . وأنكَر ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ على الحجاج،إدخاله السلاح إلى الحرم كما في صحيح البخاري ـ فتح ـ (ج 6 ـ 966 ـ 967) . وأنكر أبو شريحٍ العدوي على عمرو بن سعيدٍ الأشدق،إرسال البعوث إلى مكة؛لمحاربة عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ كما في في الصحيحين البخاري ـ فتح ـ (ج 1 ـ 104)،و (ج 4 ـ 1832)،و (ج 8 ـ 4295 )،و مسلمٍ ـ نووي ـ (ج 9 ـ 1354) . وأخرَج مسلمٌ ـ نووي ـ (ج6 ـ 864)،عن أبي عبيدة،عن كعب بن عجرة قال : " دَخَلَ الْمَسْجِدَ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا،فَقَالَ : " انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا،وَقَالَ اللهُ تَعَالَى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [ الجمعة: 11] " . قال النووي ـ رحمه الله ـ في الشرح (ج6 ص171 ـ 172) : " هذا الكلام يتضمن إنكار المنكر،والإنكار على ولاة الأمور إذا خالفوا السُّنة،ووجه استدلاله بالآية : أنَّ الله تعالى أخبر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يخطب قائمًا،وقد قال تعالى :{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب : 21 ] . مع قوله تعالى : {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام : 153] . وقوله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر : 7 ] . مع قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) " . اهـ وعن أبي سعيدٍ الخُذري ـ رضي الله عنه ـ أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قَالَ ( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ) . أخرجه أبو داود (4344)،والترمذي ـ تحفة ـ (ج 6ـ 2174)ط/دار الحديث بالقاهرة،واللفظ له وقال : " حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِن هذا الوجه ". اهـ وابن ماجة (4011)،وفي إسنادة عطية العوفي، قال الحافظ في " التقريب "(4616 ص541) ط/ دار الرسالة : " صدوقٌ يخطئ كثيرًا،وكان شيعيًا مدلسًا " . اهـ وله شاهدٌ أخرجه أحمد (11160)ط/بيت الأفكار الدولية،والحاكم(8590)ط/دار المعرفة وقال : " هذا حديثٌ تفرد بهذه السياقة علي بن زيد بن جدعان القُرشي،عن أبي نضرة . والشيخان ـ رضي الله عنهما ـ لم يحتجا بعلي بن زيدٍ ". اهـ وهو ضعيفٌ يصلح في الشواهد والمتابعات . وأخرجه ابن ماجة (4012)،مِن طريق الوليد بن مسلمٍ،وقد خالف يزيد بن هارون وعفان بن مسلمٍ عند أحمد،وعلي بن عثمان اللاحقي وموسى بن إسماعيل عند الحاكم،وهم أرجح منه،فرواه عن حماد ابن سلمة عن أبي غالبٍ عن أبي أمامة مرفوعًا،وهم رووه عن حماد عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد . وأخرجه النسائي(4209)ط/دار العلوم والحكم بنحوه،وصحَّح إسنادة العلامة الوادعي ـ رحمه الله ـ في " الجامع الصحيح " (3173)ط/دار الآثار،وخلاصة القول أنَّ الحديث صحيحٌ . وقال الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ في " تحفة المجيب " (ص151)ط/دار الآثار : " والعندية لا تقتضي السِّرية وأن يكون مع السلطان وحده ". اهـ
وجاء عن شريح بن عبيدٍ الحضرمي قال : " جَلَدَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ صَاحِبَ دَارِيَا حِينَ فُتِحَتْ،فَأَغْلَظَ لَهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ الْقَوْلَ حَتَّى غَضِبَ عِيَاضٌ،ثُمَّ مَكَثَ لَيَالِيَ فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ هِشَامٌ لِعِيَاضٍ : أَلَمْ تَسْمَعْ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : ( إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا أَشَدَّهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ) . فَقَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ : يَا هِشَامُ بْنَ حَكِيمٍ قَدْ سَمِعْنَا مَا سَمِعْتَ وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :(مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً،وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ،فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ ) وَإِنَّكَ يَا هِشَامُ لَأَنْتَ الْجَرِيءُ،إِذْ تَجْتَرِئُ عَلَى سُلْطَانِ اللَّهِ، فَهَلَّا خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ،فَتَكُونَ قَتِيلَ سُلْطَانِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . أخرجه أحمد (15408) ط/بيت الأفكار الدولية،وابن أبي عاصمٍ في " السُّنة " (1096)ط/المكتب الإسلامي،والطبراني في " مسند الشاميين "(977) ط/دار الرسالة،وفي إسنادة بقية بن الوليد مدلسٌ وقد عنعن،لكنه صرَّح بالتحديث عند ابن أبي عاصمٍ . قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ط/مكتبة القدسي تحت حديث (9161) : " قلت : في الصحيح طرفٌ منه مِن حديث هشامٍ فقط . رواه أحمد،ورجاله ثقاتٌ إلا أني لم أجد لشريحٍ مِن عياضٍ وهشامٍ سماعًا وإن كان تابعيًا ". اهـ ووصله ابن أبي عاصمٍ في " السُّنة " (1097)،مِن طريق محمد بن إسماعيل بن عياشٍ،وهو ضعيفٌ يعتبر به، وقد خالفه عبد الحميد بن إبراهيم ،عند ابن أبي عاصمٍ " السُّنة " وفي" الآحاد والمثاني " فرواه عن عبد الله بن سالمٍ عن الزبيدي عن الفضيل بن فضالة عن ابن عائذٍ عن جبير بن نفيرٍ عن عن عياض بن غَنمٍ به،ورواية إسماعيل أرجح . وأخرجه أبو نعيمٍ في " معرفة الصحابة " كما في " معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة " ط/الدار الأثرية بالجزائر،للشيخ عبد السلام بن برجسٍ ـ رحمه الله ـ (ص59) مِن طريق عبد الوهاب بن الضحاك،عن إسماعيل بن عياشٍ،وعبد الوهاب قال عنه الحافظ في " التقريب " (4257 ص502) : " متروكٌ كذبه أبو حاتمٍ " . اهـ وقال أبو نعيم عقبه " رواه بقية عن صفوان بن عمرٍو عن شريحٍ عن جبيرٍ" .اهـ وقال الشيخ عبد السلام : " وبقية قد صرَّح بالتحديث عند ابن أبي عاصمٍ " . اهـ قلت إنما صرَّح بالتحديث في الطريق المنقطعة،وقد خالفه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحِمصي،وهو ثقةٌ،فرواه منقطعا كما مَرعند أحمد ،وقد رواه بقية على الصواب،عند ابن أبي عاصمٍ في " السُّنة " والطبراني في " مسند الشاميين " والعَجب مِنَ الشيخ عبد السلام،كيف جَزم بسماع شريحٍ لهذا الحديث مِن جبير بن نفيرٍ . وللحديث شاهدٌ أخرجه الحاكم (5269)ط/دار الكتب العلمية،وقال : " صحيح الإسناد ولم يخرجاه " اهـ ومِن طريقه البيهقي (16150)ط/دار المعرفة والطبراني في " الكبير"(1007)،وفي إسناده إسحاق بن إبراهيم بن زبريقٍ،ضعيفٌ يصلح في الشواهد والمتابعات،وعمرو بن الحارث الحِمصي مجهول حالٍ . وفي إسناد الطبراني عمرو بن إسحاق مجهول حالٍ،وهو متابعٌ عنده بعمارة بن وثيمة المصري مجهول حالٍ ،و عبد الرحمن بن معاوية العتبي مجهول حالٍ أيضًا. وبالتالي فإنَّ العلة تنحصر في إسحاق بن إبراهيم،وعمرو بن الحارث الحِمصي،وفي النفس شيءٌ مِن سماع جبير بن نفيرٍ مِن عياض بن غنمٍ ـ رضي الله عنه ـ فقد أفادني أخونا الفاضل العربي البسكري أنه سَمع مِن معاذ بن جبلٍ ـ رضي الله عنه ـ بواسطة رجلٍ وهو قريب الوفاة مِن عياض بن غنمٍ توفي سنة سبع عشرة وأخرجه ابن أبي عاصمٍ في " السُّنة "(1098)،وفي " الآحاد والمثاني " (872)ط/دار الراية،وفي إسناده عبد الحميد بن إبراهيم الحِمصي،شديد الضعف . وأصل الحديث في مسلمٍ ـ نووي ـ (ج16ـ 2613)،مِن طرقٍ عن عروة بن الزبير،عن هشام بن حكيمٍ ـ رضي الله عنها ـ مرفوعًا وليس فيه قصته مع عياض بن غنمٍ ـ رضي الله عنه ـ والزيادة المذكورة (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ ) الحديث . وزاد أحمد (15411)،والطبراني في " الكبير" (440)مِن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد ابن أخي الزهري عن عمه،أنَّ عياض بن غنمٍ كان حاضرًا مع هشام بن حكيمٍ ــ رضي الله عنهم ـ حينما أنْكر على والي حِمص عمير بن سعدٍ،ويشهد لهذه الزيادة،ما أخرجه أحمد (15409)، عن عروة بلاغًا،وفيه أنَّ عياض بن غنمٍ أنكر على والي حِمص أيضًا . ويشترط لقبول هذه الزيادة،أن تكون مِن طريقٍ أقوى أو مساويةٍ لمن روى أصْل الحديث،كما قرَّر ذلك الإمام الوادعي ـ رحمه الله ـ في " تحفة المجيب"(ص152) . وأخرجه أحمد (15410)،مِن طريق شعيبٍ عن الزهري،كرواية مسلمٍ لكن خالف في كون أمير حِمص عمير بن سعدٍ،فذكر أنه عياض بن غنمٍ،وخالفه يونس بن يزيد الأيلي عند مسلمٍ،ويعقوب بن إبراهيم عند أحمد،وجاء مِن طرقٍ عن هشام بن عروة عن أبيه،عند مسلمٍ،وليس فية ما ذُكر في رواية شعيبٍ . نعم قد تابعه معاوية بن يحيى عند الطبراني في " الكبير "(441)،وهو صدوقٌ له أوهامٌ كما في " التقريب "(6773ص763)،وهذه المتابعة مِن طريق عبد الله بن صالحٍ ضعيفٌ يصلح في الشواهد والمتابعات،وقد اضطرب فيه فرواه في هذا الموضع عن الهقل بن زيادٍ،عن معاوية بن يحيى به،ورواه أيضًا عند الطبراني في " الكبير "(437)،عن الليث بن سعدٍ،عن هشام بن عروة،عن أبيه بنحو رواية مسلمٍ . والحاصل أنَّ هذه الرواية لا تثبت والله تعالى أعلم . وقد اعترَض الغرباني على مَن واجهه بكلام الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في جواز الإنكار العلني على السلطان،جمعًا بين الأدلة،بكون الشيخ قيَّد ذلك في حضرة السلطان . ولاشك أنَّ الهدف مِنَ الإنكار؛هو خَشية فُشو المنكر،فإن تعذر على العالم الوصول إلى السلطان،أو إيصال النصيحة له مع غيره،وخاصة إذا كان في بلدٍ آخرفله الإنكار علنًا . كما هو صنيع علمائنا ـ رحم الله أمواتهم وحفظ أحياءهم ـ فقد كفَّروا صدام حسين،والقذافي وأبو رقيبة وحافظ الأسد،وحذروا مِن ضلالات الحكام في بلاد المسلمين شرقًا وغربًا . قال النووي ـ رحمه الله ـ في " شرح صحيح مسلمٍ "(ج18ص114 ـ 115) ط/دار الفيحاء ـ عند الكلام على أثرأسامة رضي الله عنه في قصة مناصحة عثمان رضي الله عنه ـ : " وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم،ووعظهم سرًّا وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه،وهذا كلُّه إذا أمكن ذلك،فإن لم يمكن الوعظ سرًّا والإنكار،فليفعله علانيةً لئلا يضيع أصل الحقِّ". اهـ
والذي يظهر أنَّ هذا الشرط ليس على إطلاقه والله تعالى أعلم . ولا يلزم مِنَ الإنكار العلني الخروج على الحكام،قال الشيخ الوادعي ـ رحمه الله ـ في " تحفة المجيب " (ص152ـ 153) : " وفَرقٌ بين أن تقوم وتُنكر على المنبر أعمال الحاكم المخالفة للكتاب والسُّنة،وبين أن تستثير الناس على الخروج عليه،فالاستثارة لا تجوز إلا أن نَرى كفرًا بواحًا،كما في حديث عبادة بن الصامت : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ،وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ،وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا،وَعَلَى أَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيِهِ مِنَّ اللهِ بُرْهَانٌ،وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يأمر أبا ذرٍ أن يقول الحق ولو كان مرًّا. رواه أحمد في" مسنده ". كما أمَره أن يسمع ويطيع وإن تأمَّر عليه عبدٌ حبشيٌّ، فجَمع بين الأمرين أبوذرٍ، فيسمع ويطيع لعثمان - رضي الله عنه - .
فإذا رأينا كفرًا بواحًا فهل يجب الخروج أم لا ؟ يجب النظر في أحوال المسلمين هل لديهم القدرة على مواجهة الكفر البواح أم أنَّهم سيقدمون أنفسهم أُضحية ؟ وهل عندهم استغناءٌ ذاتيٌ أم سيمدون أيديهم لأمريكا وغيرها مِنَ الحكومات تتركهم حتى تُسْفَكَ دماؤهم ثُم ينصبون لهم علمانيًّا بدل العلماني الأول أو شيوعيًّا بدل العلماني أو نصرانيًا بدلا عن المسلم،فلا بد أن يكون هناك استغناءٌ ذاتيٌّ .
ثُم بعد ذلك هل أعدوا ما تحتاج إليه الحرب مِن قواتٍ،ولا يشترط أن تكون مماثلةً لقوات العدو فإن الله ـ عز وجل ـ يقول في كتابه الكريم : { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } .
وهل أعدوا ما تحتاج إليه الحرب مِن أطباءٍ ومستشفياتٍ أم ربَّما يتركون الشخص ينتهي دمه مِنَ الجرح، وكذلك ما تحتاج إليه الحرب مِن تغذية،فالناس ليسوا مستعدين أن يصبروا كما صبَر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على الاستضعاف وعلى الخروج مِنَ الأوطان،وعلى المرض وعلى الفقر عند أن خرَج الصحابة وهاجروا إلى المدينة،فالناس الآن محتاجون إلى أن يدربوا أنفسهم على ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم .
فعٌلم الفرق بين أن يقول الشخص كلمة الحق،وبين أن يستثير الناس على الخروج على الحاكم والحق أنَّ الحكام هم الذين لوَّثوا أنفسهم ، يقول الله ـ عز وجل ـ : { وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } .
يقول الشاعر :
مَن يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميِّتٍ إيلام
ويقول الشاعر :
ومَن دعا الناس إلى ذمه *** ذموه بالحق وبالباطل
فننصح الحكام أن يرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى،وأن يصدقوا مع شعوبهم،وأنا أكره أن أختلف أنا وبعض أصحابي مِن أجل الحاكم،ولسنا عنده إلا مِثل الذباب فليس لنا عنده قيمةٌ ". اهـ
ـ عدَّه الردود العلمية سوء أدبٍ مع العلماء،ويقصد بذلك ربيعًا المدخلي،مع أنه كان يقول أنه بغى على أهْل السنة باليمن . ثُم سحَب كلامه بحُجة عدم التدخل بين العلماء،وهذا الكلام في الحقيقة؛لسد لباب نصرة المظلوم . وقد جاء الأمر بنصرة المظلوم على لسان الصادق المصدوق،فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ،فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ : ( تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ . ) رواه البخاري ـ فتح ـ (ج5 ـ 2243 ـ 2444)،و(ج12ـ 6952) مِن حديث أنسٍ ـ رضي الله عنه ـ ،و مسلمٌ ـ نووي ـ (ج16 ـ 2584) من حديث جابرٍ ـ رضي الله عنه ـ بنحوه . وعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنهما ـ قال : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ " وذكَر منها نصرة المظلوم . أخرجه البخاري ـ فتح ـ (ج3 ـ 1239)،(ج5 ـ 2445)،(ج9 ـ 5175 )،(ج10 ـ 5635 ـ 5863 ـ 6222)،(ج11 ـ 6235)،ومسلمٌ ـ نووي ـ (ج14 ـ 2066) ويتبجح بقوله أنه استمتع بالردود،بين الشيخين يحيى وربيعٍ،وهذا الكلام لا يقوله عاقلٌ،فضلًا عمن يَدعي اتباع السُّنة،وينتسب إلى طلب العلم. فكيف يُعد البغي متعة،أليس هذا مِنَ الرضى به،ومَن رضي بشيءٍ كان كفاعله،قال الله ـ تعالى ـ { إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } [ النساء : 140] .
ـ ومِنَ العجب ما قرره في مقاله " وجوب البراءة والتوبة مِنَ الآلية الرئاسية التي وقعها السلفييون والحوثيون في صنعاء وغيرها " . مع إقراره بكون السلفيين وقعوا على ذلك مكرهين،حيث قال في (ص2) : " وكان مِن أسوء تلك الوثائق التي أبرمت بين الجانبين،ما يسَمى بالآلية الرئاسية التي وقَّع عليها أهْل السُّنة مضطرين؛للخروج مِن أجل سلامة طلبة العلم،والخروج بمخرج الخير والنصر". اهـ وقوله (ص5) : " فهل يُعذر أهْل السُّنة؛في ابرامهم لتلك الوثائق،والتي تضمنت شروطًا وأمورًا لمعتقدات فاسدةٍ وباطلةٍ ؟ الجواب : ولاشك أنَّ قوة الحوثي،وضعف أهْل السُّنة هو الذي جعلهم يرضخون حفاظًا على الدم والعرض . ومع أنَّ هذا منكرٌ عظيمٌ،إلا أنه يعتذر لهم في اضطرارهم،كما قال تعالى : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } [النحل : 106] . والتراجع مطلوبٌ عند الأمان والقُدرة ". اهـ فيقال له : مادمت مقرًّا بأنهم مكرهون؛فلما تطالبهم بالتوبة والتراجع عند الأمان والقُدرة . وهذا الكلام لم تُسبق إليه ـ في حدود علمي ـ لأنَّ المكره لم يتلبس بذنبٍ؛حتى يخرُج منه . وقد أَمن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمَّا هاجروا إلى المدينة،فلم يأمر أحدًا منهم بتوبةٍ ولا تراجعٍ،وهذا يعني أنَّ المُكره لا يشمله قوله تعالى : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة : 160] . وحديث (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ،كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ )اللذان استدللت بهما في (ص6).وإن كان الحديث ضعيفًا أخرحه ابن ماجة(4250)،من طريق أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ عن أبيه ولم يسمع منه . فكيف تطالب الناس بما لم يطالبهم به ربهم ـ عز وجل ـ ولا رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أليس هذا مِنَ القول على الله بغير علمٍ،والتحكم بغير دليلٍ،الذي نهى عنه في قوله : {وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف : 33] . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيرها : " { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه،فكل هذه قد حرمها اللّه،ونهى العباد عن تعاطيها؛لما فيها مِنَ المفاسد الخاصة والعامة؛ولما فيها مِنَ الظلم والتَجري على اللّه،والاستطالة على عباد اللّه،وتغيير دين اللّه وشرعه ". اهـ وقوله : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الآية [الإسراء : 36 ] . ويجاب عن اعتذارك على عدَم أنكار ذلك الفعل في وقته؛بسبب ضيق الوقت،ومحاولة البحث عن مخرجٍ سريعٍ لفك الحصار،وغير ذلك كما ذكَرت في (ص3) . بأنه لمَّا كانت فيك بقية خيرٍ،لم تنكر ما قام به أهْل السُّنة في حال الإكراه،والآن لمَّا انطمست فطرتك،أصبحت تتلقف شُبه البرامكة،وتتكلم بألسنتهم؛لأنَّ الدافع لك على إخراج هذا الكلام،هو ما أثاره بعض طلبة محمدٍ الإمام،كما ذكَرت في الصفحة سالفة الذكر مِنَ المقال . وكان الواجب على طلبة الإمام إنكار فضائح شيخهم،الذي فاحت رائحة إرجائه في أنحاء المعمورة،وإن كان إخواننا وقَّعوا على تلك الوثائق مكرهين،فهو يَرى موالاة الرافضة تدينًا . هذا ما يسَّر لي الله ـ سبحانه وتعالى ـ الوقوف عليه مِن مخازي هذا الرَّجل المنحرف حقًّا،وقانا الله شَره وشَر كل ذي شرٍّ آمين والحمد لله رَب العالمين .
تَم الفراغ منه بتاريخ10رجب عام1439هجري
كتبه ابو عبد الله إبراهيم بن خالد التبسي الجزائري
في الرباح وادي سوف