الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

القَوْلُ الصَّحِيح الَمُعْتَبَر مِنْ أَنَّ الانْحِرَاف اليَسِير عَنِ القِبْلة لاَ يَضُر

بسم الله الرحمن الرحيم                                             
الحمد لله القائل : 
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}،يختبر تعالى المؤمنين بما يظهر به صدق الصادقين،وريب المرتابين،وعاقبة المنافقين؛ليرتب عليه الجزاء،وإنما يثبت على ذلك من فَقِهَ الشيء فعرف أسراره البديعة وأحكامه البليغة،وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ 
أمابعد :                                                 
فلا يخفى على كل مسلم أن الصّلاة هي آكد أركان الإسلام الخمسة كما قال الرسول
،وأنها أولى الواجبات الإسلامية بعد التّوحيد،وأنها إذا صلُحت صلُح عمل المسلم كله،وإذا فسدت،فسد عمله كله،كما في الصحيحين .أيها المسلم ـ سلَّمك الله في الدارين ـ إن شأن الصلاة عظيم جدًا في ديننا الحنيف،وأسرارها العظيمة وبركاتها العميمة وفوائدها الكثيرة لا تخفى على كثير من المؤمنين،ثم اعلم أن الصلاة ليست مجرد أقوال يلُوكها اللسان وحركات تؤديها الجوارح والأركان فحسب،بلا تدبرٍ ولا تعقلٍ ولا تفهمٍ ولا خشوع قلبٍ،بل و ليست الصلاة تلك التي ينقرها صاحبها نقر الديك،ويخطفها خطف الغراب كشأن أهل النفاق،ويمر بها مرَّ السحاب،كأن وراءه طالب حثيثٌ،ويلتفت فيها التفات الثعلب يمينًا وشمالاً وقوفًا وتحتًا . كلا فالصلاة المُقامة تمامًا هي التي تأخذ حقها من التأمل والخشية والخضوع والسكون لرب العالمين واستحضار عظمة المعبود جل جلاله ومراقبته. كما ذكر ذلك العلماء .
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : إنما حظُّهُم ـ أي المسلمين ـ من الإسلام على قدر حظّهم من الصّلاة،و رغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصّلاة، فاعرف نفسك يا عبد الله،احذر أن تلقى الله عزّ وجلّ ولا قدر للإسلام عندك،فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصّلاة في قلبك . انتهى كلامه
صدق رحمه الله،لأن كل امْرئٍ حجيجُ نفسه عند لقاء ربه،فاعْقل هذا وتأملهُ جيداً واتَّق اللهَ و لا تكن من الغافلين . فأمْعن النّظر أخي المصلّي فيما سطرتُه وجمعتهُ لك ـ في هذه العُجالة على اختصارها ـ،فإن اقتنعتَ بها،وخالطت بشاشة قلبك،فاحمد الله تعالى،و اسأله المزيد من فضله. وهو القائل تعالى كما في الحديث القدسي : (ولئن سألني لأُعطينه) .ولمَّا كانت الصلاة بهذه المنزلة فهي جديرةٌ بالاهتمام والاعتناء، خُصوصاً والكلام هنا على اّعظم شرطٍ مُجمعٌ عليه وتبنى عليه صحة الصّلاة،ألا وهو : (استقبال القبلة).                           
أولاً: لا يجوز القلقلة بين أوساط المسلمين وإثارة الشحناء والبغضاء على أمرٍ قد فُرغَ منه . والأمر واسع ولا يجوز التلبيس على الناس أمر دينهم في أمر قد يسّره الشارع،فالمُعارض لهذا الأمر لابد أن يأتي بأدلة قوية على بطلان جهة القبلة التي نحن نُصلي إليها،أما إذا كان الانحراف يسيراً فقد نص الفقهاء من أنه لا يضر في صحة الصلاة . إذن فالميل اليسير الذي لا يُخرجه عن الجهة هذا يعفى عنه . فإذا كان الانحراف عن القبلة أقل من 45 درجة مثلاً،فالصلاة صحيحة؛لأن الفرض في حق المصلي هو استقبال الجهة،لا استقبال الكعبة ولا مكة،وهذا الانحراف لا يخرجه عن استقبال الجهة . وأما إذا انحرف إلى الجهة الأخرى فهذا هو الذي لا يعفى عنه،والله المستعان . 
قال العلامة ابن باز رحمه الله : لكن يشرع التحري الكامل للقبلة،هذا هو الأفضل،وإلا فلا يضر الميل اليسير بالنسبة لليمين والشمال،ما يضر والحمد لله . انتهى كلامه  (مجموع الفتاوى 12/130)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : وبهذا نعرف أن الأمر واسع،فلو رأينا شخصاً يصلي منحرفًا يسيراً عن مسامتة [أي : محاذاة] القبلة،فإن ذلك لا يضر، لأنه متجه إلى الجهة . انتهى من (الشرح الممتع 2/273) .
مما يعضده من جهة النظر إجماع المسلمين على صحة صلاة الصفِّ المستطيل الذي يُقطع أن جرم الكعبة لا يُوازيه،ومحل قول النبي (ما بين المشرق والمغرب قبلة) على العموم الذي هو مخصوص بقوله تعالى : {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} يعني نحوه .هذا ولْيعلم أيضاً أن الجمهور منهم الحنفية والحنابلة،وقول للشافعي والأظهر عند المالكية أنه يكفي البصير القادر استقبال جهة الكعبة باجتهاد وليس عليه إصابة عينها، فيكفيه غلبة الظن أن القبلة في الجهة التي أمامه . لقوله تعالى : {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} . ومما يدل على ذلك عمل الصحابة كقول قول عمر في الموطإ : مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ البَيْتِ .
وقول ابن عمر في كتاب الترمذي رحمه الله : إذا جعلتَ المغربَ عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلةٌ إذا استقبلتَ القبلة . لكنه وإن كان مخصوصاً ففيه دليلٌ على سعة القبلة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (2/539) : وروى الأثرم عن عمر وعلي وابن عباس أنهم قالوا: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) ، وعن عثمان أنه قال : (كيف يُخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قِبلة ما لم يتحر المشرق عمدًا) . يُريد أن الأمر فيه سعة،وأما المُعارض فلا أدري هل يُحب هذا الحُكم أم لا؟!.
قال أبو القاسم محمد بن سراج الأندلسي : وقد نص القاضي أبو الحسن ابن القصَّار على أن : المحرابَ الذي يعلم أن إمام المسلمين نصبَه أو اجتمع أهل البلد على نصَّبه أنَّ العالِمَ والعَامِّيَّ يُقلدانه،ولا أعلم أحداً خالفَ ابنَ القصار في هذا. انتهى كلامه .
ثانياً : أن الأولين عولوا على الجهة،رحمهم الله، لكن لا ينبغي الميل كثيراً بحيث يتوقع الخروج منه لقوله  : (إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَالحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ) . وهذا من جملة المشتبه . ثالثاً : وإذا كان كذلك فلا يجوز التكلف فيما لا يُطاق، والتشدد في الانحراف اليسير الذي قد عفا عنه الشارع . وقد رُفع الحرج عن هذه الأمة الأمية بنص كتاب ربنا : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . ومعلومٌ أن الطاعة بحسب الطاقة،قال تعالى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
رابعاً : من تناقض المُعارض لقبلتنا أنه يُصلي مُولياً ظهره للمصلين،وهذا فيه عدة محاذير منها :
1 ــ أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نهى عن هذا الفعل،حيث قال: (ولا تدابروا). وهذا ليس من الأدب ولا من التواضع،قال السيوطي : ولا تدابروا أَي لَا تعرض بِوَجْهِك عَن أَخِيك وتوله دُبرك . اهـ (من شرح موطإ مالك) .
2 ــ أنه يلزم الإمام والمأمومين استقبال جهة الكعبة سواءاً بسواء، وتحري ذلك، ولا يكفي أن يتجه الإمام وحده . إذ لو فرضنا أن الإمام مُتجهٌ لغير القبلة لمَا صحَّت صلاته ولا صلاتنا،فصحة صلاة الإمام هي صحة صلاة المأموم هكذا قال الفقهاء . فإذا كان كذلك فكيف يجوز لنا أن نُتابعه على أمرٍ هو مُخطئٌ فيه،أليس هذا من التناقض؟!.                                                      3 ــ في هذا الفعل (المنكر) من إثارة القيل والقال بين المسلمين والبلبلة والصياح بجهلٍ ممزوجٍ بهوى،وتعصبٍ للرأي ولو كان خطأً كما لا يخفى،وقد نُهينا عن ذلك بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .               
 
4 ــ وليس للمعارض ولو شبهُ دليل على ما ادعاه وشوَّش به على جماعة المصلين،وأنهم على غير القبلة التي أمرنا بالاتجاه إليها،وكفى بذلك مُنادياً بالبطلان. فبيننا وبين كل من خالف كتاب الله وسنة رسوله 
ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وعمل الصحابة والتابعين،ولا يجوز الافتئات على الشريعة والتقول على الله بغير علم. ألم تسمع قول ربك عز وجل : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} .هذا الذي أردتُ توضيحهُ ـ بحمد الله ـ على اختصاره،تلبية لبعض مُحبي الخير،ورداً على من فيه لوث العناد والجهل،ومن يسير على مبدإ: عنزة ولو طارت! . وإن كان عند المُعارض علمٌ فليُخرجه لنا . ـ وأنَّى له ذلك ـ ،و الله الموفق لا ربَّ سواه،وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.كتبه غيرة على المسلمين: العربي بن الهلالي البسكري ـ غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ـ .

الخميس، 3 أغسطس 2017

ما هكذا يا سعد تورد الإبل

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله،والصلاة والسلام على خيْر خلقه،وعلى آله وصحبه.
أمَّا بعْد
فهذه نصيحةٌ أرسلتها إلى أخي سعدان المسعدي الجلفاوي منذ مدة؛لمَّا بلغني أنه يطعن في الإمامين النووي وابن حجر ـ رحمهما الله ـ .
فلم أتلقى منه أي رد،ولم يَخرج ممَّا تلبس به،مع أنه لم يُسبَق إلى هذا القول،إلا ما كان مِنَ الحدادية الغلاة .
وأنا حقيقةً أتعجب مِن جرأة بعض النَّاس، على الإقدام على هذه المسائل التي لا سلف له فيها،مخالفًا بذلك طريقة العلماء،مع أنه يتلكأ ويتقاعسعن القيام بأبسط ما أوجب الله عليه كطالب علم،ومنهم المذكور آنفًا، هدانا الله وإياه إلى الصراط المستقيم .
للتنزيل أو التصفح من هنا

الاثنين، 31 يوليو 2017

نصيحة إلى صديق ضل الطريق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الكريم،رَب العرش العظيم،والصلاة والسلام  على نبيه المصطفي وليه الحميم، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم.
أمَّا بعْد
فهذه نصيحةٌ كتبتها لسليمان،مِنَ الشمرة دائرة جامعة وادي سوف،بعدما صدَر منه تلاعبٌ وتحريشٌ،بيني وبين أخي إبراهيم.وكذا تهوينه مِن شأن الدراسة الاختلاطية،في المدارس الابتدائية،ولأنَّه ظل يتلاعب في استلامها؛قرَّرت نشرها ليذوق وبال أمره.
للتنزيل أو التصفح من هنا

الأحد، 30 يوليو 2017

ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على مَن لا نَبي بعده،وعلى آله وصحبه ومَنِ اهتدى بهديه.
أمَّا بعْد 
فهذه كلمةٌ قيمةٌ لشيخنا المجاهد سعيد بن دعاس ـ رحمه الله ـ عكفت على تفريغها،وتخريج أحاديثها؛لما فيها مِنَ الفائدة. وهي بعنوان" ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة "،أسأل الله أن ينفع بها للتنزيل أوالتصفح من هنا 

السبت، 22 يوليو 2017

اللمعة في بيان عدم إجزاء غسل الجنابة عن غسل الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الصالحين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خيْر خلق الله أجمعين، محمدٍ الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين، وعلى مَن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعْد 
يسرني أن أضع بين أيدي القراء الكرام، هذا الجهد المتواضع، والمتمثل في ترجيح عدم إجزاء غُسلٍ واجبٍ عن آخر، سائلًا مِنَ المولى تبارك وتعالى أن ينفع به.  للتنزيل أو التصفح من هنا  .

الأربعاء، 19 يوليو 2017

الطعن في الصحابة طريقة رافضية وهو عبارة عن تنبيهٍ على ما كتبه المتحذلق الكذاب (يوسف العنابي)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
 أما بعدُ : 
فإن بيان الأخطاء وتفنيد كل ما يُنسب للشريعة ـ وليس منها ـ، لهو من أجل القربات إلى رب الأرض والسموات، لا سيما إذا كان الطعن منسوباً إلى حملة الشريعة وعلى ذروتهم أولئك الرجال الأتقياء والأبطال الأخيار وهم صحابة رسول الله  . 
قال الطحاوي ـ رحمه الله ـ في عقيدته : وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا نُفَرِّطُ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ، وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ يَذْكُرُهُمْ، وَلَا نَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ . اهـ
 وفي هذا الصدد فقد وقفتُ ووقفَ غيري على ما كتبه المُتحذلق المذكور في كتابه (نصب المنجنيق ص13)، من النيل من الصحابيين الجليلين (معاذ بن جبل و أبي ذر الغفاري رضي الله عنهما وأرضاهما)، وعند أن ذكر المتحذلق في كتابه المذكور أمثلة عن عناد أهل الأهواء والزيغ، فضاقت عليه الأدلة ولم يجد مثالاً يستدل به غير نيله من هذين الصحابيين وجعلهما من جملة المعاندين!!. وهذا بعيٌ وعدوان عليهما ـ رضي الله عنهما ـ .
فالصحابة  أكبر بكثير من أن يُوصفوا بهذه الأوصاف الذميمة.
والحمد فقد أشرتُ إلى بطلان ذلك في مقالنا الموسوم بـ : (( فَتْحُ الرَّبِّ الْعَلِيّ في بَيان مَا ِفي كَلَمةِ أَبي بِلَال الْحَضْرَمِيّ من الإجمال  المُريب و التناقض العجيب (في ص 14)، بقولنا: 
تنبيهٌ : ولا يُفهم من إيراد هذين المثالين عن ـ معاذ وأبي ذر ـ رضي الله عنهما ـ الجرْح ـ كما زعمه بعض المتعالمين ـ، فجعل معاذاً  من المُعاندين الذين عاملهم النبي  بالزجر!!، وهذا زعمٌ باطلٌ في حق معاذ ، وجُرأة ليست بالسَّهلة تُوجب منه فورية التوبة حتى يُعذر عند الله تعالى  .                                                

قال الإمام مقبل الوادعي رحمه الله في (المخرج من الفتنة : ص21/26) : وهذا في حق هذين الصحابيين الجليلين ومن يُشابههما المراد به الأدب لا التجريح . اهـ 
وكان الواجب على العنابي ـ كما تقدم ـ نشر توبته كما نشر كلامه القذر واستدلاله العفن، ولكن الكبر و أنفة النفس تأبى عليه الرجوع، فانظروا إلى ماذا صنع المتحذلق :
حذف الجملة التي فيها الغمز من كتابه، وأبدلها بحاشية لكلام الشيخ مقبل رحمه الله الذي تقدم، ولم يكن قد ذكره قبلُ، ولم يُظهر أي رجوع ولا بيان لما وقع فيه من عظيم الزلل .
ولو كانت القضية في صالحه لأقام الدنيا ولم يُقعدها .
وهذا هو ديدنُ أهل الأهواء من قديم الزمان وحديثه، قال تعالى :{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}.
 فهو فيما جاء من مُقْتَضى هواه معتقدٌ ومستسلمٌ، وَفِيما خالف رأيه معرضٌ عنه ورافضٌ له . 
ومن الجدير بالذكر أني لما كنتُ بدار الحديث ـ بدماج سابقاً ـ ذهبتُ ـ أنا والأخ سعدان المسعدي ـ بالكتاب وموضع الخطإ الذي تقدم للشيخ محمد بن حزام فقال لنا: يجب فوراً على الأخ يوسف التوبة والرجوع عن هذا الكلام . اهـ 
والحاصل أننا أردنا التنبيه على أن هذا الرجل ليس هو من السلفيين الواضحين ولا الثابتين، ومن أبى غير ذلك فإما جاهل بحاله فيُنبه، وإما متعصب فلا حيلة لإقناعه .
ومن أراد المزيد في الاطلاع على كذب الرجل فلينظر إلى ما كُتب في بيان حاله كـ : (القطف الداني، وإتحاف الأحباب، والقول المرضي في الرد على عبد الغني العمري)، وكلهم لأخينا الفاضل أبي عبد الله إبراهيم بن خالد وفقنا الله وإياه لطاعته، وكلاهما منشورٌ على منتديات (التميز السلفية) أدام الله خيرها، وثبَّت القائمين عليها .
ومن التنبيه المهم أيضاً : أن العُمري بالغ في الثناء حيث وصف العنابي بأوصاف ليست في مستواه، ولا أدري عبد الغني العمري أهل هو من جملة الجاهلين بحاله .
أو من المتعصبين له، (وللمزيد انظر:القول المرضي) هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله أجمعين. 
كتبه : العربي بن الهلالي بن حسن الجزائري / 16/ شوال / 1438 هـ/ وادي سوف الجزائر              

الجمعة، 7 يوليو 2017

رفع الملامة بدفع جهالات سعيد باسلامة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين،والعاقبة للمتقين،ولا عدوان إلا على الظالمين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أمَّا بَعْدُ
فقد وقَفت على كلمةٍ للمدعو سعيد باسلامة،ألقاها في دار الحديث بالحامي،بتاريخ 4 رجب سنة 1483 هجري،وهي منشورةٌ في منتديات الحامي،بتاريخ 5 رجب سنة 1438 هجري.
تكلم فيها على محدثات شهر رجب،لكنه أتَى في آخرها بالعجب،أثنى على خالد بن عَبُّودٍ الحضرمي،وذكَر أنه بَشرٌ يصيب ويخطىء،وأنه يحكم بما ظهَر له،وذكر دليلاً مِنَ السُنَّة على الحُكم بالظاهر.
ثُم قال : إنَّ الطاعنين في دار الحديث بالحامي،حقيقة أمرهم الطعن في الشيخ يحي - حفظه الله - واستلزم أنَّ الطعن في خالد بن عَبُّودٍ،يعني كذلك الطعن في الشيخ مقبل - رحمه الله - بمعنى أنَّ مَن طعَن في أبي بلالٍ،طعَن في الشيخ يحي،ومَن طعَن في الشيخ يحي،طعَن في الشيخ مقبل،إذًا الطعن في أبي بلالٍ طعَنٌ في الشيخ مقبلٍ.
ثُم قال : الأيام هي هي،والأفراد هُم هُم،والدعوة هي هي،مَن الذي تغير ومَن الذي تنكر.
ثُم قال : هذه الأمور التي تحصل خطيرةٌ،مراجعنا مازالت موجودةً،الشيخ يحي - حفظه الله - موجودٌ يسأل فيما أَشكل،ممَن لا يرتضون بفلانٍ أو فلانٍ على حَد زعمهم الذي يظهرون .
ثم قال : بالله عليكم أيهم أسلم،مَن يخوض في النوازل دون مرجعٍ علميٍّ،أم مَن يخوض في النوازل والمرجع العلمي موجودٌ،واستدل بقول الله تعالى :{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } .اهـ بتصرف
 وفي طيات هذا الكلام أباطيلٌ،سيأتي تفنيدها بحول الله وقوَّته،فأقول مستعينًا بالله.
1 ـ لقَد أجمل الرجُّل النقاط المنتقدة على خالد بن عَبُّودٍ الحضرمي،وكان عليه أن يفَصل ويبين المواضع التي حكم فيها أبو بلالٍ بالظاهر؛لأنَّ هذه النقاط موضع انتقاد،وإلاجمال في موضع التفصيل منتقدٌ.ولعل الحامل له على ذلك هو التملص؛لأنه وجَد أنَّ تلك المآخذ قوية،ولا جواب عنده،أو خَشي أن يفتضح أمره إن استرسل في الدفاع عنه،فآثر الإجمال؛كي يتفلت ويضَخم الأمر شأنه شأن أَهل الأهواء،وقد ذَم أهل العلم هذا السبيل وبينوا عواره،وإليك أقوال بعضهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى"(12/ 114)،كما في"تنزيه السلفية" ط/مكتبة دار الحديث بدماج،للشيخ سعيد ـ رحمه الله ـ (ص7):"فإنَّ كثيرًا مِن نِزاعِ الناسِ سبَبُهُ ألفاظٌ مجملةٌ".اهـ
وقال في"الاستقامة"(2/ 522)،كما في المصدر السابق:"هذه العبارة - يعني : المجملة - إذا عنَى بها المتكلم معنىً صحيحًا،وهو يعْلم أنَّ المستمعَ يفهمُ منها معنىً فاسدًا،لم يكن لهُ أن يُطلِقها،لما فيه مِنَ التلبيس،إذ المقصودُ مِنَ الكلام البيان،دون التلبيسِ".اهـونقل العلامة البقاعيُّ في"مَصرعِ التَّصوُّفِ"(ص138)،كما في المصدر السابق(ص6)،عن الإمام أبي عليٍّ ابن خليلٍ السكوني،أنه قال : "وكلُّ كلامٍ،وإطلاقٍ يوهمُ الباطلَ،فهو باطلٌ بالإجماعِ،فأحرى،وأولى بطلانه إذا كان صريحًا في الباطل".اهـ
وقال الشيخ سعيد ـ رحمه الله ـ :"ولذا عدَّ أهْل العلم العبارات والألفاظَ المجملة،المحتملةِ،مِن أساليب أهْل الأهواء،ومِن أسباب الخلاف والضلال".اهـ
والذي يظهر أنَّ خالد بن عَبُّودٍ،يحْكم بخلاف الظاهر إذا كان له هوىً في ذلك،تقليدًا للشيخ يحي ـ حفظه الله ـ ،وهذا بحسب ما وقَفت عليه،وإليك التفصيل.
عندما تكَلم في صوتيته،ترْك الخوض في مسائل الإيمان،كان يعَرض بيوسف بن العيد العنابي؛لأنَّ مُؤدى الخوض في هذه المسائل على غير طريقة أهْل العلم،هو الغلو والتكفير،كما هو ملاحظٌ مِن حال يوسف،مع أنَّ أبا بلالٍ نفسه لم يسلك فيها سبيل العلماء،فزَهَّد في دراستها وبيان الراجح مِنَ المرجوح فيها.
وقد رَد عليه أخونا العربي البسكري،في "توضيح المقال" فجزاه الله خيرًا.
ومع ما يعلمه مِن حال يوسف في دار الحديث بدماج،وما يُنتقد عليه مِن انحرافات،بنَى على أخبار بعض أتباعه،ووجَّه نصيحةً لدولة الجزائر،وقد يكون الأمر الذي نقِل إليه مكذوبًا،مخالفًا بذلك قول الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].
قال ابن كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في تفسيره (ج7ص236)ط/دار ابن الجوزي:"يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون ـ في نفس الأمر ـ كاذبًا أو مخطئًا،فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه،وقد نهى اللّه عن اتباع سبيل المفسدين،ومِن هاهنا امتنع طوائفٌ مِن العلماء مِن قبول رواية مجهول الحال، لاحتمال فسقه في نفس الأمر،وقبلها آخرون لأنَّا إنَّما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق،وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال . 
وقد قررنا هذه المسألة في كتاب العلم مِن شرْح البخاري،ولله الحمد والمنة ".اهـ
وهناك أمرٌ ثانٍ وهو عندما حدَثت الفتنة في السودان،اتصل به الشيخ وليد بن فضل المولى الخالدي - حفظه الله - ،وأخبره بأخطاء عبد الكريم الحجوري - هداه الله -،فقال له أبو بلالٍ : "إنَّ الذي أرسله دعوةً إلى السودان غَشَّ الإخوة "،أخبرني بذلك أخونا العربي عن إهاب السوداني عن أبي عكرمة.
وعندما خاض طلابه في ذلك،ألقى كلمةً،ذكر فيها أنَّ أَمر هذا النزاع غامضٌ،وأنه لا يدخل تحت رايةٍ عمية،لكن سرعان ما سحَب كلمته تلك تقليدًا للشيخ يحي،والكلمة موجودةٌ عندي.
فهل يعقل بعد هذا أن يقال أنه اجتهد فاخطأ أو أصاب؟! أو حكَم بالظاهر؟! أم أنه تعَمد الخطأ؟!.هذه أمثلةٌ مِن حكم أبي بلالٍ بالظاهر،أضعها بين يدي القارئ الكريم،خاصة ونحن في زمنٍ كثر فيه تقليب الحقائق،والله المستعان.
2 ـ وأمَّا استلزامك أنَّ الطعن في خالد بن عَبُّود الحضرمي طعنٌ في الشيخ يحي،والطعن في الشيخ يحي،طعنٌ في الشيخ مقبلٍ - رحمه الله -،وأنَّ الطعن في أبي بلالٍ،طعنٌ في الشيخ مقبلٍ،ليس بلازمٍ؛لأنَّ خالد بن عَبُّود الحضرمي،ليس على طريقة الشيخين،فهو داعيةٌ إلى التقليد،والتميع،وتقليب الحقائق،والكذب،مع الجهل المركب.
الشيخ مقبلٍ - رحمه الله - كان يقول:"لا يقلدني إلا ساقطٌ"،ونقَل ابن عبد البر - رحمه الله - الإجماع على أنَّ المقلد ليس مِن أهْل العلم.
وتقليد أبي بلالٍ للشيخ يحي،ليس بخافٍ على مَن بصره الله،تجده يَتكلم في الشخص،ثُم يَسحب كلامه لا لشيءٍ إلا،أنَّ الشيخ يحي يخالفه.
وقد تقدم سحبه لكلامه على فتنة السودان،وسحَب كلامه في الغرباني،وفي الشاعر باغوث،ويَسحب كلامه،بدون بيان السبب،ويترك النَّاس في حيص بيص.وقد كان هو في شق،والشيخ يحي في شق،في دار الحديث بدماج،ولم يكن على منهجه،وقد كان يطعن في المُحقين الذين زكاهم الشيخ يحي،ويدافع عن المبطلين.
فأين هو مِن منهج الشيخ يحي،القائم على  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فقد  أنكر على الشيخ مقبلٍ - رحمه الله -،عدَم تحريمه للقات،ولم يسكت عن ضلالات أبي الحسن المأربي،بالرغم مِن طلب بعض العلماء منه السكوت،وكذا تصدى لمخالفات الحزب العدني،رغم التخذيل الواضح،حتى مٍن بعض الكبار.
وأمَّا أبو بلالٍ فيريد أن يكون التلميذ مع شيخه،كالميت بين يدي مُغسله.وهذا الكلام إلى وقتٍ قريبٍ،أمَّا الآن فالشيخ يحي - وفقه الله -،نلحظ منه تغيرًا وتراجعًا عما كان عليه قبْل،ويَشهد لذلك طريقة معالجته لبعض الفتن الدائرة حاليا في الساحة.
مثال ذلك : ما حدَث بين الإخوة السودانيين،والشيخ أبي عمرو الحجوري - هداه الله -،مع أنَّ الشيخ يحي لا ينكر شيئًا،ممَّا أتى به الإخوة،مِنَ البراهين على حزبية أبي عمرٍو،لكنه يهون مِن شأن هذه الأخطاء،مع أنه حزَّب بعضهم بأقل مِن هذا.
وكذا أخطأ جدًّا في تزكيته ليوسف العنابي الكذاب الغالي،مع قيام البراهين والحُجج على انحرافه.
وقد أَرسل إليه أخونا العربي البسكري نصيحةً،وإلى الآن لم نجد منه ردًّا.
3 ـ وقولك : "الدعوة هي هي،والأفراد هُم هُم،مَنِ الذي تغير،ومَنِ الذي تنكر"،مغالطةٌ واضحةٌ،التغير حاصلٌ،والضعف موجودٌ،والشيخ يحي نفسه مقرٌ بذلك،لكنه اضطرب،كما بينت ذلك في الرد على العُمَري.
وهل يَرضى الشيخ مقبلٍ - رحمه الله -،بالتقليد والتحجير على طلبة العلم،وبالتأصيلات الفاسدة،التي تشبه تأصيلات المأربي،والحلبي،والإمام؟.
4 - وأمَّا دندنتك حول المرجعية،فشنشنة أعرفها مِن أخزم،وهذا يذكرني بمقولة أصحاب الحزب العدني،خلونا مع الأكابر،لما يعلمون مِن كون هؤلاء الذين يحيلون إليهم،معهم ويدورون في فلَكهم.
فهل قبَل أهل السُنَّة تزكية الشيخ عبد المحسن العباد - حفظه الله -،لأبي الحسن المأربي؟،وهل قبلوا تزكية الشيخ ربيع للحزب العدني؟،حتى تلزمني أنت بقبول تزكية الشيخ يحي لأبي بلالٍ،بحجة المرجعية،أم أنَّ المرجعية عندكم فوق الحقائق العلمية؟.
فأفيدك أنَّ المرجعية لكتاب الله تعالى،ولسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولأهل العلم،فيما وافقوا فيه هذين الأصلين.
كما دلنا على ذلك قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[النساء: 59].
وسبب نزولها،ما أخرجه الإمام البخاري - فتح- (ج 8-4340)،و(ج 13-7145-7257)،عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال : بَعَثَ النَّبِيُّ ـ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا،فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا. فَقَالَ : ادْخُلُوهَا،فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا ،وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ النَّارِ،فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ،فَبَلَغَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : (لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ).
ذهَب الإمام الوادعي - رحمه الله - في"الصحيح المسند مِن أسباب النزول"(ص78-79)ط/دار الامام مالك،إلى أنه عبد الله بن حذافة السَّهمي بن قيس بن عدي؛لحديث عبد الله بن عباسٍ - رضي الله عنها - عند البخاري - فتح -(ج 8- 4584)،
وذهَب الحافظ في"الفتح"(ج8ص73-74)إلى تعدد القصة،وأنَّ الأنصاري غير السهمي؛بسبب اختلاف السياق،واسم الأمير،وسبب الأمر بالدخول إلى النار،وذكرأنَّ ابن القيم - رحمه الله - قال بالتعدد،وخلاف ابن الجوزي - رحمه الله - في ذلك.
وهنا أمرٌ ينبغي التنبيه عليه،وهو : أنه يجب التفريق بين الرجوع إلى العلماء،وسؤلهم عمَّا أَشكل،والاستفادة منهم،وبين التعصب لهم،ومتابعة أخطائهم،وهذا الأخير هو مبتغى القوم،وبالتالي يتضح أنها كلمة حقٍّ أريد بها باطلٌ.
ومع ذلك فقد رجَع الإخوة السودانيين،للشيخ يحي - وفقه الله - فهل انصفهم؟!،مع اعترافه بما يُنسب لعبد الكريم الحجوري،فهل تريد أنت وشيخك خالد بن عَبُّود،متابعة الشيخ يحي على خطئه،وهذا أصلٌ مِنَ الأصول المخترعة؛لحماية أنفسكم مِنَ النقد.
ويبعُد مِنَ الشيخ يحي،إنكار ما يُنسب إلى طلابه،إذا كان مدعمًّا بالحجج والبراهين،لكنه يُهِّون مِن شأن تلك الأخطاء؛ممَّايسبب ضياع الحق وانطماسه،والله المستعان.
5 - وأمَّا خلطك تبعًا لشيخك خالدٍ،بين النوازل ومسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فهو مشاقة للرسول،ومخالفة لسبيل المؤمنين،الذين أمِرنا باتباعهم في قوله تعالى :{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء : 115].
فلا يكفي أن تأتي بآيات وأحاديث،وتسلط عليها فهمك السقيم،إنَّما المعتبر في ذلك فهم السَّلف.
واستدلالك بقوله عزَّ وجلَّ : {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}الآية [النساء : 83]،حُجة عليك لا لك،فليس في الآية،أنه يَحرم على طالب العلم الخوض في مسائل الجرح والتعديل،قال ابن كثير رحمه لله في تفسيره (ج2ص237) : "وقوله : { وإذا جاءهم أمر مِنَ الأمن أو الخوف أذاعوا به} إنكارٌ على مَن يبادر إلى الأمور قبل تحققها،فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحةٌ".اهـ
وسبب نزولها ما أخرجه الإمام مسلم - نووي - (ج10ـ 1479)،عن عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه ـ قال : لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نِسَاءَهُ قَالَ : دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ،فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَىٰ وَيَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نِسَاءَهُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ ـ قَالَ عُمَرُـ فَقُلْتُ: لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ ـ قَالَ ـ فَدَخَلْتُ عَلَىٰ عَائِشَةَ،فَقُلْتُ : يَا بنتَ أبي بَكْرٍ!أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟فَقَالَتْ : مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَىٰ حَفْصَةَ بنتِ عُمَرَ،فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ!أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لَا يُحِبُّكِ،وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ، فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟قَالَتْ: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي الْمَشْرُبَةِ،فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَاعِدًا عَلَىٰ أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ،مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَىٰ نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ،وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَىٰ عَلَيْهِ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَيَنْحَدِرُ،فَنَادَيْتُ: يَا رَبَاحُ!اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَىٰ رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَىٰ الْغُرْفَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا،ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ!اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَىٰ رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَىٰ الْغُرْفَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا،ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ!اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَىٰ رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ الله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ،وَاللَّهِ!لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِضَرْبِ عُنُقِهَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا، وَرَفَعْتُ صَوْتِي،فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنْ ارْقَهْ،فَدَخَلْتُ عَلَىٰ رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَىٰ حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ،فَأَدْنَىٰ عَلَيْهِ إِزَارَهُ،وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ،وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ،فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ،وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ،وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، ـ قَالَ ـ : فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ. قَالَ:(مَا يُبْكِيكَ؟يَا ابْنَ الْخَطَّابِ!)قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله!وَمَا لِي لَا أَبْكِي؟وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ،وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَىٰ فِيهَا إِلَّا مَا أَرَىٰ،وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَىٰ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ،وَأَنْتَ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَصَفْوَتُهُ،وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. فَقَالَ:(يَا ابْنَ الْخَطَّابِ!أَلَا تَرْضَىٰ أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا؟) قُلْتُ : بَلَىٰ. قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلْتُ وَأَنَا أَرَىٰ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ،فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله!مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ!فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ الله مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ،وَأَنَا وَأبو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُون َمَعَكَ،وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ – وَأَحْمَدُ الله- بِكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الله يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ آيَةُ التَّخْيِيرِ : {عَسَىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}[التحريم: 5]{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ}[التحريم: 4] وَكَانَتْ عَائِشَةُ بنتُ أبي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَىٰ سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله!أَطَلَّقْتَهُنَّ؟،قَالَ : (لَا) قُلْتُ : يَا رَسُولَ الله!إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُون َ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَىٰ،يَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نِسَاءَهُ،أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟قَالَ : (نَعَمْ إِنْ شِئْتَ) فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّىٰ تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ،وَحَتَّىٰ كَشَرَ فَضَحِكَ،وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا،ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ،وَنَزَلَ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَىٰ الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ،فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ الله إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ : (إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ) فَقُمْتُ عَلَىٰ بَابِ الْمَسْجِدِ،فَنَادَيْتُ بِأَعْلَىٰ صَوْتِي : لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ }[النساء : 83] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ،وَأَنْزَلَ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ آيَةَ التَّخْيِيرِ.
وعُمَر - رضي الله عنه - هو القائل للرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في حق حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - دعني اضرب عنق هذا المنافق.
فأحال في الحد للنبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - ولم يُحل في الحكم على هذا الصحابي بما يقتضيه ظاهره،مع وجود الداعي إلى ذلك،فعُلم أنَّ هاته غير تلك،وأنَّ مِنَ الأمور ما يجوز البت فيه لمن يحسِن ذلك.
وقد وقَفت على كلامٍ نفيسٍ،للشيخ سعيد بن دعَّاس ـ رحمه الله ـ يَصُب في هذا المصب،في"ضرورة التأهل في الحكم على المخالف بما يستحق والرد على أهْل الأهواء"،المطبوع بذيل"ضوابط الحكم بالابتداع"،ط/ مكتبة دار الحديث بدماج(ص156-160).
وهذا كلامه - رحمه الله - : "ولهذا كانتْ الحُدودُ والقِصاصُ فِي زمَن النَّبيِّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ وخُلفَاءِه،لَم تَكُن تُقام وتُستَوفَى إلا بإذنِهم،كمَا ذكَرَه الإمام يحيى بنُ أبي الخيرِ العِمراني الشَّافعيُّ في "البيان"(12 / 376)،والشيرازي في "المهذب"،كمَا في "المَجمُوع" (25 / 116).
فكانَ الناسُ يُحِيلونُ إقامةِ الحُدودِ والقِصاصِ إلى ولاةِ الأُمورِ ونوَّابِهم،ويأتُونَ بِها إليهم،كما كانُوا يأتونَ بالصَّحابيِّ المُلقَّبِ بحِمارِ إلى النبيِّ ـ صلى الله عليهِ وسلم ـ مراتٍ مُتعَدِّدةٍ،وحينَ زنَى ماعزٌ والغَامِديَّةُ جاءا إلى النبيِّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلم ـ،ولم يوسِّدا إقامةَ الحَدِّ – المَعلومُ - علَيهِما إلى أحدٍ سوى النَّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما جاءَ ذلكَ الرَّجلُ بقاتلِ أخيهِ يَقُودُه إلى النبيِّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمـ،حتَّى أذنَ لهُ النَّبيُّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم ـ باستيفاءِ القصَاصِ مِن قاتلِ أخيِه،وعلى هذَا مَضى الأمرُ في زمانِ الخَلفاءِ،ولم يَنتَصبْ أحدٌ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ لإقامةِ شيئٍ مِن ذلكَ. 
بخِلافِ الحُكمِ على المُخالفِ بِما يستَحقُّ،فقَد كانُوا يَفَعَلونَهُ مِن غيرِ إحالةٍ إلى ولاةِ الأمورِ،وأوضحُ دليلٍ على هذا،أنَّ عمرَ وخالداً  ـ رضي اللهُ عنهُما ـ حينَ طعَنَ ذو الخُويصرة الخَارِجيُّ في النبيِّ ـ صلى  اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ بَادَرا بالحُكمِ عليهِ بالنِّفاقِ بِحضرةِ النَّبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ،ولم يُحجِما عن الحُكم عليهِ بما تقتَضِيهِ جِنايَتُه،واستئذناهُ في إقامةَ حدِّ الرِّدةِ،وقالَ كلٌّ مُنهما : "دَعني أضربْ عنُقَ هذا المنافقِ يارسولَ اللهِ".
وهكَذا بادرَ عمرُ بنُ الخطَّابِ ـ رضيَ اللهُ عنهُ ـ بالحُكمِ على حاطبِ بنِ أبي بَلتَعةَ بالنِّفاقِ بحضرةِ النبيِّ ـ صَلى اللهُ عليهِ وسَلمَ ـ حينَ راسلَ كفارَ قُريشٍ يخبرُهم بمقدمِ النبيِّ ـ صلى الله عليهِ وسلم ـ لفتحِ مكةَ،بظَاهِر فِعلِهِ،لولا ما أبَانَه مِن عُذرٍ هوَ صادِقٌ فيهِ،وصدَّقَه النبيُّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ عليهِ،وأحدَثَهُ مِن توبةٍ صادقةٍ ناصحَةٍ ـ رضي اللهُ عنهُ ـ وأرضاهُ،ولَم يُحجِم عنِ الحُكمِ بما يقتَضِيهِ فِعلُه مِن حُكمٍ. 
قالَ شيخُ الإسلامِ في "الصَّارمِ المسلول" (1 / 40): الإِيمانُ والنِّفاقُ أصلُهُ في القَلبِ،وإنَّما الذي يَظهرُ مِنَ القولِ والفِعلِ فَرعٌ لهُ دَليلٌ عليهِ،- فإِذَا ظَهرَ مِنَ الرَّجلِ شَيءٌ مِن ذَلكَ،ترَتَّبَ الحُكمُ عَليهِ!!-.اهـ
وأمَّا عندَ إقامةِ حَدِّ الرِّدةِ – الذي يستَحقُّه لو ثبتتِ الرِّدةُ،ولمَ يكُن لهُ عُذرٌ فِيما فعَل - فطلبَ الإذنَ مِنَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ـ ،لأنَّهُ مِن أحكامِ الإمامةِ التي لا يستوفيِها غيرُ الإمامِ إلا بإذن الإمامِ وتوكِيلٍ مِنَ الإمامِ،كما نوَّبَ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ أنيساً ـ رضي اللهُ عنهُ ـ في رجمٍ المرأةِ التي زنَت. 
وحينَ ذُكرَ مالكُ بنُ الدُّخشُن بحَضرةِ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ في عدَدٍ من أصحابهِ،فقالَ قائلٌ مِنهُم : ذلكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،مُستَدِلاً بقولِه : فَإِنَّمَا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ لِلْمُنَافِقِين،فحَكَمَ عليهِ بمُقتَضى فِعلِهِ الظَّاهرِ بحضَرةِ النبيِّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ،وبالدَّليلِ المُعتَبرِ مِن إلحاقِ المرءِ بخلِيلِه وخَدنِه،وبالميلِ والمودَّةِ الدَّالةِ على المُشاكَلةِ والمُقارَبةِ والموافَقةِ،لولا أَن برَّأهُ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ بقَولِه : (لاَ تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ).
ومَنزلةُ عمرَ بنِ الخطَّاب،وخالدِ بنِ الوليدِ،وهذا الصَّحابيِّ ـ رضي اللهُ عنهم ـ وأرضَاهُم في جَنبِ النبيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلمَ ـ، كطَالبِ العلمِ المُتمكِّن البَصيرِ الذِي لا يَخرجُ عَن أهلِ العِلم،بِجانبِ مَن هوَ أعلم منهُ.
 ولم ينكرِ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ـ علَيهِم الإقدامَ على إثباتِ الحُكمِ بالدَّليلِ الشَّرعيِّ الظَّاهرِ،بل أقرَّ بعضاً مِن ذلك ولم يُنكرْهُ،كالحُكمِ على ذي الخُويصرةِ.
 واستَثبتَ في بعضٍ بسؤالِ المُخالفِ،كالحُكم على حاطب ـ رضي الله عنه ـ ،فانتَفى الحُكمُ لانتفاءِ شَرطِهِ بإبداءِ عذرِهِ وتَوبتِهِ الصَّادقةِ،حينَ قال : "يارسولَ الله لا تعجَل عليَّ،إني كنتُ امرأً مُلصقاً في قُريشٍ ولم أكُن مِن أنفُسِها،وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرينَ لُهم قرَاباتٌ بمكةَ يَحمُونَ بِها أهلِيهِم،وأموَالهِم،فَأحبَبتُ إذْ فَاتَني ذلكَ مِنَ النَّسبِ فِيهم أنْ أتَّخذَ عِندَهم يَداً يَحمُونَ بهَا قرابَتِي،- ومَا فعلتُ كُفراً ولا ارتِدَاداً،ولا رِضَاً بالكُفرِ بعدَ الإِسلامِ؟!-، فقالَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه و سلمَ ـ : (لقَد صَدَقكُم)
ويتَاكَّدُ إقرَارُهُ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ أصلَ الإقدامِ عَلى الحُكم بِدَلِيلٍ وبُرهانٍ واضحٍ لِمن رَزَقهُ اللهُ بَصِيرةً وفَهمَاً وإِن وُجدَ مَن هوَ أعلمُ،أنَّهُ قالَ بَعدَ إبداءِ حَاطِبٍ ـ رَضيَ اللهُ عنهُ ـ عُذرَه : (صَدقَ فَلا تَقُولُوا لهُ إلا خَيراً).
ومَفهُومُه أنَّهُ لَو لَم يكُن له عُذرُ صَادقٌ،فَقُولُوا فيهِ ما يَستَحقُّ مِن وَصفٍ وحُكمٍ.
ونفَى الحُكمَ في حقِّ مالكِ بنِ الدُّخشُن لدليلٍ أرجَح - مؤَيَّداً بالوَحيِ الشَّريفِ - ممَّا استَدلَّ بهِ مَن حَكمَ عليهِ بالنِّفاقِ وهُوَ قولُهُ : (لاَ تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ).
وفِي ذلكَ كُلِّهِ لم يُنكرِ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ أصلَ الإقدامِ لإثباتِ ما يستَحِقُّهُ المُخالفَ بِما تَقتَضِيهِ مُخالَفتُه مِن قِبَلِ مَن هُوَ أهلٌ لمَعرفتِه وإدرَكِه وإنْ كانَ غَيرُه أعلمُ منهُ،لأنَّ العِبرةَ هوَ التَّأهُّلُ والتَّمكنُ،والفَهمُ والتَّمييزُ والبَصيرةُ.
 ولَو كانَ لا يَجوزُ للمُتَأهِّل البَصيرِ المُتمكِّن مِن مَعرفَةِ الحُكم بِدلِيلِه وبُرهانِه ممَّن غَيرُه أعلمُ منهُ،لأَنكرَ النبيُّ ـ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ على هَؤلاءِ أصلَ الإقدامِ على الحُكمِ،لأنَّ تأخيرَ البيانَ عِندَ الحَاجةِ في حَقِّهِ ـ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ لا يَجوزُ،لمُنافَاتِه ما أمرَهُ الله بهِ في قوله : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}،وهو عليهِ الصلاةُ والسَّلام قَد بلَّغَ الرِّسالةِ أتَمَّ بَلاغٍ".اهـ المراد
وبالتالي يتضح،أنكم على منهجٍ غير منهج الإمام الوادعي - رحمه الله - وهو أشبه بمنهج المأربي،والحلبي،والوصابي،والإمام،وحتى إن وافقكم الشيخ يحي على ذلك فهو مخطىءٌ.
وأقول لك : أثبِت العرش ثُم انقش؛لأنَّ هذه المسائل المتنازع فيها،ليست مِن مسائل النوازل،وقد تابعت في هذا التلبيس شيخك أبا بلالٍ،بدون حُجةٍ ولا برهانٍ.
وفي الختام أحمد المولى المنان،هو حسبي وعليه التكلان.
للاستماع أو تنزيل كلمة سعيد باسلامة من هنا  
و للاستماع أو تنزيل كلمة أبي بلالٍ من هنا 
          تم الفراغ منه ليلة السبت 14 شوال عام 1438 هجري                                   كتبه أبو عبد الله إبراهيم بن خالد التبسي الجزائري
                              في الرباح وادي سوف

الجمعة، 30 يونيو 2017

توفيق رب العبيد بالنصح المفيد لأخينا عبد الحميد ومن معه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى،والصلاة والسلام على نبيه المصطفى،وعلى آله وصحبه،ومَن اقتَفى أثرهم إلى يوم الدين.
أمَّا بَعْدُ
فهذا نصحٌ لعبد الحميد الجلفاوي ومَن معه،كنت قد أرسلته له سابقًا،يخص مسألة تكفير ساب الله ـ عزوجل ـ لأنَّ قولهم بالتفصيل،أي:أنه لايَكفر إلا مَن قصَد ذلك،مخالفٌ للإجماع،ولاحُجة فمَن شَذ في ذلك.
ولمَّا لم يأتني جوابٌ منه وممَن معه،قررت نشْر هذا الرد؛كي لا يَغتر بمقولتهم هذه، مَن لا اطلاع له على المسألة،والله الهادي إلى سواء السبيل.
للتنزيل أو التصفح من هنا

الخميس، 29 يونيو 2017

هدم الحياط على مرتكبي جريمة اللواط

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه، ومَنِ اتبع هداه
أمَّا بعْد
فهذه رسالتي "هدْم الحياط على مرتكبي جريمة اللواط"،أوردت فيها أدلة الكتاب والسُنَّة،وآثار السَّلف،في التحذير مِن هذه الجريمة النكراء،التي لم يسْلم مِن مقدماتها،بعض مَن ينتمي للعلم والصلاح،فضلاً عن أهل الفجور؛وما ذلك إلا بسبب الغفلة،واتباع خطوات الشيطان،المتمثلة في الذرائع المفصية إليها .
وقد كان سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ مِن أشد النَّاس تفطنا لهذه المكائد،فلله درهم،وقد أفلح مَنِ اهتدى بهديهم،ومَن أراد النجاة فلا مناص له مِنَ اتباعهم والله الموفق .
للتنزيل أو التصفح مِن هنا