بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله فاطر السموات والأرض،خالق الظلمات والنور،والصلاة والسلام على خير
خلقه أجمعين،محمدٍ الأمين وعلى آله وصحبه،الطيبين الطاهرين .
أمَّا بَعْدُ
فقد أمَرنا الله تعالى بالإحسان،وبذل النصح والبيان ،فقال جَل وعَلا : {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[
البقرة:195 ] . ومِنَ الإحسان رَد الجميل،لمن علَّمنا وفقَّهنا في
ديننا،ولا يُعد ذلك؛تقدمًا بين يديه ولا افتئاتٌ عليه . خلافًا لمن ذهَب
يلبِّس على الخلق ذلك،مناديًا على نفسه،وعلى مَن تعصب له بالمهالك . مِن
هذا الباب أيها الأحباب،رأيت التنبيه على ما وقَع مِن شيخنا أبي محمدٍ عبد
الحميد الحجوري - حفظه الله وفقه - في كلمته التي ألقاها في الحامي،عند
خالد بن عبودٍ الحضرمي . وهي منشورةٌ في منتديات الحامي بتاريخ 6 ربيع
الثاني سنة 1439 هجري.
وأولها قوله عند الكلام على حديث (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ) : " وفي هذا دليلٌ على أنَّ مَن صنَع إليك معروفًا يكافأ لا يعادى،ولا يحذَّر منه،ولا يتكلم فيه ". اهـ وهذا الإطلاق ليس بصحيحٍ،ترده الأدلة الشرعية،مِنَ الكتاب والسُّنة ،وكذا فهم السَّلف. قال الله تعالى عن الكفار : {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا } [الفرقان
: 23 ] . ولا شك أنَّ بعض الكفار،قدَّموا معروفًا كبيرًا للبشرية،في شتى
المجالات،ومع ذلك هتَك الله أستارهم،وبيَّن عوارهم،في غير ما آية مِن كتابه
. فقال تعالى : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} الآية [ آل عمران : 7 ] . وقال تعالى : {إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } [البينة
: 6 ] . ومعلومٌ أنَّ القوم الذين بعِث فيهم النبي ـ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم ـ كانت فيهم بعض خصال الخير،كالكرم ونصرة المظلوم . وها هو أبو
طالبٍ عَم النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ له مِنَ َالمعروف
على ابن أخيه وعلى غيره الشيء الكثير،ومع ذلك لمَّا تُوفي على الكفر،نهاه
الله تعالى عن الاستغفار له فقال : {مَا
كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة : 113] . وأهْل
الأهواء وعصاة المسلمين،أولى بإسداء المعروف إلى غيرهم؛لما عندهم مِنَ
الإيمان،لكننا نجد كتُب الجرح والتعديل مليئةٌ بذم مَن غيَّر وبدَّل،وكذا
بيان حال ضعيف الرواية . ولا شك أنَّ هؤلاء قد تعلموا وعلموا،ولهم أفضال
على غيرهم،ولم يستثن أئمتنا حتى أقرب الناس إليهم،كما فعَل ابن المديني مع
أبيه . بل إن هذا يعد مِن بذل المعروف،لمن صنَع لك معروفًا،وذلك إنه إن
رجَع عن خطئه استفاد،وإن أصر عليه كان ذلك التحذير؛سببًا لنقص أوزاره،إذا
قَل مَن يقتدي به،وهذا مأثورٌ عن السَّلف . قال أبو صالحٍ الفراء : "
حكيت ليوسف بن أسباط ٍعن وكيعٍ شيئَا مِن أمْر الفتن،فقال : ذاك يشبه
أستاذه - يعني الحسن بن حي - فقلت ليوسف : أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟
فقال : لم يا أحمق ؟ أنا خير لهؤلاء مِن آبائهم وأمهاتهم،أنا أنهى الناس أن
يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم،ومَن أطراهم،كان أضر عليهم . . " . اهـ
مِن ميزان الاعتدال في نقد الرجال (ج2ص246 ـ 247) . وقد يقول قائلٌ : " أنَّ شيخنا قد قيَّد ما أطلقه في قوله : " أنَّ أهل السُّنة أكبر مَن صنَع معروفًا للخلق " فأقول
: هذا بيانٌ لصنف مِن أصناف الناس،الذين بذلوا المعروف للخلق،وليس تقييدًا
لما أطلقه مِن عدم التحذير ومعاداة مَن صنَع لك معروفًا .
وثانيها قول شيخنا ـ وفقه الله ـ : " ليست الدعوة أن تقوم خطيبًا،أو تكتب أو تصنف،أو تحذر وتفعل غير ذلك " .
اهـ المذكورات مِن وسائل الدعوة،وإجمال التحذير يترك المستمع في حيرةٍ،هل
يقصد التحذير مِن أهْل الحق،وهو بعيدٌ؛لأنه ذكَره في سياق وسائل الدعوة،و
التحذير مِن أهْل الحق ليس مِن وسائل الدعوة أصلًا،فتعين الثاني وهو
التحذير مِن أهْل الباطل . فهل يعقَل أن يقال: أنَّ التحذير مِن أهْل
الباطل ليس مِن فِقه الدعوة،بل هو عين فِقه الدعوة؛لما يدسه أهْل الباطل في
الدعوة؛لإفسادها . وأخشى يا شيخنا أن تكون لجَئت إلى هذا الأصل
المخترع؛لأجل الدفاع عن مَن اتحدت معه في السير،فأخبرك أنَّ هذا لا
ينفع،وليس هذا مِنَ الاتباع الذي تدندن حوله في شيءٍ .
وثالثة الأثافي قول شيخنا ـ وفقه الله ـ : " أنَّ أبا بلالٍ صاحب سكينةٍ ". اهـ فأقول ليس مِنَ السكينةالدعوة
إلى التقليد،والكذب والتلبيس،والتخبط وغير ذلك ممَّا هو مبيَّنٌ في
موضعه،كما لا أنسى أن أذكِّرك يا شيخنا،بأنك قرأت مقالي " التعقبات الساحقة
" وأعجبت بما فيه مِنَ الحُجج الدامغة،لتخبطات خالد بن عبودٍ الحضرمي .
وإني أخشى عليك مِن اتحاد السير مع هذا الرجل كما قال الله تعالى مخبرًا عن
إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } [مريم : 45 ـ 44] . وقال تعالى : {وَلَا
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم
مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ } [هود : 113] . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيرها (ص391)ط/دار الرسالة : " ففي
هذه الآية : التحذير مِنَ الركون إلى كُل ظالمٍ،والمراد بالركون الميل
والانضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك،والرضا بما هو عليه مِنَ الظلم .
وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة،فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟!! نسأل
الله العافية مِنَ الظلم ". اهـ
وفي
الختام أرجو مِنَ الله تعالى أن أكون قد وفِقت لمكفأة مَن قدَّم لي
معروفًا؛لأنَّ العبرة بالحقائق العلمية،لا بالكلام الذي لا يسمِن ولا يغني
مِن جوعٍ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
للاستماع أو تحميل كلمة الشيخ من هنا
للاستماع أو تحميل كلمة الشيخ من هنا
تم الفراغ منه بتاريخ 22جمادى الأولى سنة1439هجري
كَتبه مذكِّرا لنفسه ولغيره العبد الفقير
كَتبه مذكِّرا لنفسه ولغيره العبد الفقير
أبوعبد الله إبراهيم بن خالدٍ التبسي الجزائري
في الرباح وادي سوف